الثاني : أنه جعل المبتدأ نفس " إذ " بمعنى : وقتٍ : وخبرها الجارُّ قبلها، وتقديره : لمن من الله على المؤمنين وقت بَعْثِهِ، ونظره بقولهم : أخطب ما يكون الأميرُ إذا كان قائماً.
وهذان وجهانِ -في هذه القراءة- مما يدلان على رسوخ قدمِهِ في هذا العلمِ.
قال شهابُ الدينِ : إلا أن أبا حيان قد ردَّ عليه الوجه الثاني بأن " إذ " غيرُ متصرفةٍ، لا تكون إلا ظرفاً، أو مضافاً إليها اسم زمان أو مفعولة بـ " اذكر " -على قول- ونقل قول أبي علي- فيها وفي " إذا " أنهما لم يردا في كلام العربِ إلا ظرفين، ولا يكونان فاعلين، ولا مفعولين، ولا مبتدأين.
قال : ولا يحفظ من كلامهم : إذْ قام زيد طويل -يريد : وقت قيامه طويل- وبأن تنظيره القراءة بقولهم : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائماً، خطأ ؛ من حيث أن المشبه مبتدأ، والمشبهُ به ظرف في موضعِ الخبرِ -عند من يُعْرِب هذا الإعرابَ - ومن حيثُ إنَّ هذا الخبرَ -الذي قد أبرزه ظاهراً واجب الحذف ؛ لسَدِّ الحال مَسَدَّه، نص عليه النحويونَ الذين يعربونه هكذا، فكيف يبرزه في اللفظ ؟
قال شهابُ الدين :" وجواب هذا الردِّ واضحٌ وليت أبا القاسم لم يذكر تخريج هذه القراءة ؛ لكي نسمع ما يقول هو ".
والجمهورُ على ضم الفاء - من أنفسهم - أي : من جملتهم وجنسهم، وقرأت عائشةُ، وفاطمةُ والضّحّاكُ، ورواها أنس عنه ﷺ بفتح الفاء، من النَّفاسة - وهي الشرف - أي : من أشرفهم نسباً وخَلْقاً، وخُلُقاً.
وعن علي عن النبي ﷺ قال :" أنا أنفسكم نسباً، وحسباً، وصهراً " وهذا الجارُّ يحتمل وجهين :
الأول : أن يتعلق بنفس " بعث ".
الثاني : أن يتعلق بمحذوف، على أنه وصف لـ " رسولاً " فيكون منصوب المحل، ويقوي هذا الوجه قراءة فتح الفاء.


الصفحة التالية
Icon