وهل اعتبار معنى واحد من المعاني ينقض المعاني الأخرى أو تأتي كلها في سلك واحد ؟ إنها معانٍ تأتي كلها في سلك واحد ؛ لأن المتكلم هو الله، وما دام المتكلم هو الله فيكون عطاء اللفظ أكثر من عطاء ألفاظ الخلق، ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾، وهناك قراءة - وإن كانت قراءة شاذة - تقول :﴿ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ (بفتح الفاء) أي من أشرفهم لأنه من بني هاشم وهم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب.
وماذا يعمل الرسول ؟ يُفهم من قوله :" رسولا " أنه لا يأتي بشيء من عنده، بل هو - مع هذه المنزلة الحسنة بخُلُقه الجميل وماضيه الناصع - هو مع هذا رسول وليس له في الأمر شيء، إذن فمرسله خير منه، فلا تتنبه إلى هذا الرجل العظيم فحسب بل يجب عليك أن تسأل : من أين جاء ؟ لا بد أن تلتفت إلى أن الذي بعثه أعظم منه.
﴿ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾، وكلمة ﴿ يَتْلُواْ ﴾ يعني يقرأ لأن الكلمة تتلو الكلمة، فالذي يقرأ أي ينطق كلمة بعد كلمة، كلمة تالية بعد أخرى ﴿ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ وكلمة " الآيات " - كما نعرف - تستعمل للأمور العجيبة ؛ اللافتة للنظر، تقول مثلا : فلان آية في الحس. أي حسْنُه لافت للنظر، وتقول : فلان آية في الذكاء، صحيح أن هناك أذكياء كثيرين، لكنه آية في الذكاء.. أي أن هذا الإنسان أمره عجيب في الذكاء، إذن فكلمة " آية " معناها : الأمر العجيب، وهو الذي يقف الإنسان عنده وقفة طويلة ليتأمل في عجائبه.
والآيات نوعان : آيات منظورة في الكون مثل قول الحق :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾
[فصلت : ٣٧]