وأما الوجه الثاني : من الوجوه المحتملة في هذه الآية هو أن المراد أن الشهداء أحياء في الحال، والقائلون بهذا القول منهم من أثبت هذه الحياة للروح، ومنهم من أثبتها للبدن، وقبل الخوض في هذا الباب يجب تقديم مقدمة، وهي أن الإنسان ليس عبارة عن مجموع هذه البنية، ويدل عليه أمران : أحدهما : أن أجزاء هذه البنية في الذوبان والانحلال، والتبدل، والإنسان المخصوص شيء باق من أول عمره إلى آخره، والباقي مغاير للمتبدل، والذي يؤكد ما قلناه : أنه تارة يصير سمينا وأخرى هزيلا، وأنه يكون في أول الأمر صغير الجثة، ثم إنه يكبر وينمو، ولا شك أن كل إنسان يجد من نفسه أنه شيء واحد من أول عمره إلى آخره فصح ما قلناه.
الثاني : أن الإنسان قد يكون عالما بنفسه حال ما يكون غافلا عن جميع أعضائه وأجزائه، والمعلوم مغاير لما ليس بمعلوم، فثبت بهذين الوجهين أنه شيء مغاير لهذا البدن المحسوس، ثم بعد ذلك يحتمل أن يكون جسما مخصوصا ساريا في هذه الجثة سريان النار في الفحم.
والدهن في السمسم، وماء الورد في الورد.
ويحتمل أن يكون جوهراً قائما بنفسه ليس بجسم ولا حال في الجسم، وعلى كلا المذهبين فإنه لا يبعد أنه لما مات البدن انفصل ذلك الشيء حيا، وان قلنا إنه أماته الله إلا أنه تعالى يعيد الحياة إليه، وعلى هذا التقدير تزول الشبهات بالكلية عن ثواب القبر، كما في هذه الآية، وعن عذاب القبر كما في قوله :﴿أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً﴾ [ نوح : ٢٥ ] فثبت بما ذكرناه أنه لا امتناع في ذلك، فظاهر الآية دال عليه، فوجب المصير إليه، والذي يؤكد ما ذكرناه القرآن والحديث والعقل.
أما القرآن فآيات :