والذي أقوله : إن النفس تبقى لها علاقة مع بدنها لا بالتحريك واكتساب الأعمال، ولكن بالتلذذ والتألم والتعقل ونحوها. وليس ببدع أن يتغير التعلق بحسب تغير الأطوار كما كان يتغير في مدّة العمر بحسب الأسنان والأمزجة. والتحقيق فيه أن النفس في هذا العالم جعلت متصرفة في البدن لأجل اكتساب الأعمال والملكات، وأنه يفتقر إلى تحريك الأعضاء وأعمال الجوارح والآلات، وبعد الموت تجعل متصرفة فيه من جهة الجزاء والحساب، فكيف ينبغي أن يقاس أحدهما على الآخر؟ فلعله يكفي بعد الموت أن يكون له علاقة التلذذ والتألم والإدراك فقط إلى أن تقوم القيامة الكبرى. وهذا القدر لا ينافي كون البدن مشاهداً في القبر من غير تحرك ولا إحساس ونطق، ويؤيده ما روي أنه ﷺ وقف على قليب بدر وقال : يافلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني الله حقاً. فقال عمر : يا رسول الله كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ شيئاً. وفي حديث عذاب القبر " إنه ليسمع قرع نعالهم " ولعل السر في أنه اكتفى بهذا القدر من التصرف أنه إن كان أكثر من ذلك كما سيكون في القيامة الكبرى نافى تكليف سائر الأحياء وأفضى الأمر إلى الإلجاء وهو السر في آخر حديث عذاب القبر " فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين " وأما الشهداء فلا يبعد أن يجازيهم الله تعالى بمزيد التلذذ بنعيم الآخرة كما قتلوا تعجيلاً للثواب. وكما عجلوا الانقطاع عن طيبات الدنيا ومشتهياتها فإن جزاء كل طائفة ينبغي أن يناسب عملهم. فافهم هذه الأسرار فإنها علق مضنة وبه ثبت جميع ما ورد في الشريعة الحقة والله أعلم. ومعنى ﴿ عند ربهم ﴾ أنهم مقربون ذوو كرامة كقوله :﴿ فالذين عند ربك ﴾ [ فصلت : ٣٨ ] أو المراد بحيث لا يملك أحد جزاءهم سوى ربهم، أو المراد في علمه وحكمه كما يقال


الصفحة التالية
Icon