الوجه الرابع : في تفسير هذه الآية أن نقول : ليس المراد من كونها أحياء حصول الحياة فيهم، بل المراد بعض المجازات وبيانه من وجوه :
الأول : قال الأصم البلخي : إن الميت إذا كان عظيم المنزلة في الدين، وكانت عاقبته يوم القيامة البهجة والسعادة والكرامة، صح أن يقال : إنه حي وليس بميت، كما يقال في الجاهل الذي لا ينفع نفسه ولا ينتقع به أحد : إنه ميت وليس بحي، وكما يقال للبليد : إنه حمار، وللمؤذي إنه سبع، وروي أن عبد الملك بن مروان لما رأى الزهري وعلم فقهه وتحقيقه قال له : ما مات من خلف مثلك، وبالجملة فلا شك أن الإنسان إذا مات وخلف ثناء جميلا وذكرا حسنا، فإنه يقال على سبيل المجاز إنه ما مات بل هو حي.
الثاني : قال بعضهم مجاز هذه الحياة أن أجسادهم باقية في قبورهم، وانها لا تبلى تحت الأرض ألبتة.
واحتج هؤلاء بما روي أنه لما أراد معاوية أن يجري العين على قبور الشهداء، أمر بأن ينادى : من كان له قتيل فليخرجه من هذا الموضع، قال جابر : فخرجنا إليهم فأخرجناهم رطاب الأبدان، فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فقطرت دما.
والثالث : أن المراد بكونهم أحياء أنهم لا يغسلون كما تغسل الأموات، فهذا مجموع ما قيل في هذه الآية والله أعلم بأسرار المخلوقات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٧٢ ـ ٧٦﴾


الصفحة التالية
Icon