فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ مَسْرُورِينَ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ الرِّزْقِ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ بِعَمَلِهِمْ، فَالْفَضْلُ مَا كَانَ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، كَمَا قَالَ : لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [٣٥ : ٣٠]. وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ الِاسْتِبْشَارُ : السُّرُورُ الْحَاصِلُ بِالْبِشَارَةِ، وَأَصْلُ الِاسْتِفْعَالِ طَلَبُ الْفِعْلِ، فَالْمُسْتَبْشِرُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَبَ السُّرُورَ فَوَجَدَهُ بِالْبِشَارَةِ كَذَا قَالُوا، وَالْعِبَارَةُ لِلرَّازِيِّ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الطَّلَبِ فِيهِ عَلَى حَالِهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ هُمُ الَّذِينَ بَقُوا فِي الدُّنْيَا
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّمَا قَالَ " مِنْ خَلْفِهِمْ " لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ وَرَاءَهُمْ يَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ وَيَحْذُونَ حَذْوَهُمْ قَدَمًا بِقَدَمٍ، فَهُوَ قَيْدٌ فِيهِ الْخَبَرُ وَالْحَثُّ وَالتَّرْغِيبُ وَالْمَدْحُ وَالْبِشَارَةُ وَهُوَ مِنَ الْبَلَاغَةِ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا يُطَاوَلُ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ : وَيَطْلُبُونَ الْبُشْرَى بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ أَيْ يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يُبَشَّرُوا فِي وَقْتٍ قَرِيبٍ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِمْ مَقْتُولِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَا قُتِلُوا، مُسْتَحِقِّينَ مِنَ الرِّزْقِ وَالْفَضْلِ الْإِلَهِيِّ مِثْلَ مَا أُوتُوا، وَالْمَعْنَى عَلَى الثَّانِي : أَنَّهُمْ يُسَرُّونَ بِذَلِكَ عِنْدَ حُصُولِهِ.