إن الإسلام لا يؤجل مزاولة المبدأ حتى تستعد الأمة لمزاولته! فهو يعلم أنها لن تستعد أبداً لمزاولته إلا إذا زاولته فعلاً وإن حرمانها من مزاولة مبادىء حياتها الأساسية - كمبدأ الشورى - شر من النتائج المريرة التي تتعرض لها في بدء استعماله وأن الأخطاء في مزاولته - مهما بلغت من الجسامة - لا تبرر إلغاءه بل لا تبرر وقفة فترة من الوقت لإنه إلغاء أو وقف لنموها الذاتي ونمو خبرتها بالحياة والتكاليف. بل هو إلغاء لوجودها كأمة إطلاقاً!
وهذا هو الإيحاء المستفاد من قوله تعالى - بعد كل ما كان من نتائج الشورى في المعركة :﴿ فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ﴾.
كما أن المزاولة العملية للمبادىء النظرية تتجلى في تصرف الرسول - ﷺ - عندما رفض أن يعود إلى الشورى بعد العزم على الرأي المعين واعتباره هذا تردداً وأرجحة. وذلك لصيانة مبدأ الشورى ذاته من أن يصبح وسيلة للتأرجح الدائم والشلل الحركي. فقال قولته التربوية المأثورة :" ما كان لنبي أن يضع لأمته حتى يحكم الله له ". ثم جاء التوجيه الإلهي الأخير :﴿ فإذا عزمت فتوكل على الله ﴾.. فتطابق في - المنهج - التوجيه والتنفيذ..
٦- وهناك حقيقة أخيرة نتعلمها من التعقيب القرآني على مواقف الجماعة المسلمة التي صاحبت رسول الله - ﷺ - والتي تمثل أكرم رجال هذه الأمة على الله.. وهي حقيقة نافعة لنا في طريقنا إلى استئناف حياة إسلامية بعون الله..
إن منهج الله ثابت وقيمه وموازينه ثابتة والبشر يبعدون أو يقربون من هذا المنهج ويخطئون ويصيبون في قواعد التصور وقواعد السلوك. ولكن ليس شيء من أخطائهم محسوباً على المنهج ولا مغيراً لقيمه وموازينه الثابتة.
وحين يخطىء البشر في التصور أو السلوك فإنه يصفهم بالخطأ. وحين ينحرفون عنه فإنه يصفهم بالانحراف. ولا يتغاضى عن خطئهم وانحرافهم - مهما تكن منازلهم وأقدارهم - ولا ينحرف هو ليجاري انحرافهم!


الصفحة التالية
Icon