القول الثاني : في تفسير قوله :﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ قال مجاهد : سيكلفون أن يأتوا بما بخلوا به يوم القيامة ونظيره ما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ﴿وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ [ البقرة : ١٨٤ ] قال المفسرون : يكلفونه ولا يطيقونه، فكذا قوله :﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة﴾ أي يؤمرون بأداء ما منعوا حين لا يمكنهم الاتيان به، فيكون ذلك توبيخا على معنى : هلا فعلتم ذلك حين كان ممكنا.
والقول الثالث : أن قوله :﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ﴾ أي سيلزمون إثمه في الآخرة، وهذا على طريق التمثيل لا على أن ثم أطواقا، يقال منه : فلان كالطوق في رقبة فلان، والعرب يعبرون عن تأكيد الزام الشيء بتصييره في العنق، ومنه يقال : قلدتك هذا الأمر، وجعلت هذا الأمر في عنقك قال تعالى :﴿وَكُلَّ إنسان ألزمناه طائره فِى عُنُقِهِ﴾ [ الإسراء : ١٣ ].
القول الرابع : إذا فسرنا هذا البخل بالبخل بالعلم كان معنى ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ أن الله تعالى يجعل في رقابهم طوقا من نار، قال عليه الصلاة والسلام :" من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة " والمعنى أنهم عوقبوا في أفواههم وألسنتهم بهذا اللجام لأنهم لم ينطقوا بأفواههم وألسنتهم بما يدل على الحق.
واعلم أن تفسير هذا البخل بكتمان دلائل نبوة محمد ﷺ غير بعيد، وذلك لأن اليهود والنصارى موصوفون بالبخل في القرآن مذمومون به.


الصفحة التالية
Icon