فما لهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله، ونظيره قوله تعالى :﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [ الحديد : ٧ ]
والثاني : وهو قول الأكثرين : المراد أنه يفنى أهل السموات والأرض وتبقى الأملاك ولا مالك لها إلا الله، فجرى هذا مجرى الوراثة إذ كان الخلق يدعون الأملاك، فلما ماتوا عنها ولم يخلفوا أحدا كان هو الوارث لها، والمقصود من الآية أنه يبطل ملك جمع المالكين إلا ملك الله سبحانه وتعالى، فيصير كالميراث. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٩٤﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَللَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض ﴾ أخبر تعالى ببقائه ودوام مُلكه.
وأنه في الأبد كهو في الأزل غنيٌّ عن العالمين، فيرث الأرض بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم ؛ فتبقى الأملاك والأَموال لا مُدَّعى فيها.
فجرى هذا مجرى الوراثة في عادة الخلق، وليس هذا بميراث في الحقيقة ؛ لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئا لم يكن مَلكَهُ من قبل، والله سبحانه وتعالى مالكُ السمواتِ والأرضِ وما بينهما، وكانت السموات وما فيها، والأرض وما فيها له، وأن الأموال كانت عارية عند أربابها ؛ فإذا ماتوا رُدَّت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾ [ مريم : ٤٠ ] الآية.
والمعنى في الآيتين أن الله تعالى أمر عباده بأن يُنفقوا ولا يَبْخَلُوا قبل أن يموتوا ويتركوا ذلك ميراثا لله تعالى، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٩٣﴾