وقال آخرون : لما أنزل الله تعالى ﴿مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] قالت اليهود : نرى إله محمد يستقرض منا، فنحن إذن أغنياء وهو فقير، وهو ينهانا عن الربا ثم يعطينا الربا، وأرادوا قوله :﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾.
واعلم أنه ليس في الآية تعيين هذا القائل، إلا أن العلماء نسبوا هذا القول إلى اليهود واحتجوا عليه بوجوه :
أحدها : أن الله تعالى حكى عنهم أنهم قالوا : إن يد الله مغلولة : يعنون أنه بخيل بالعطاء وذلك الجهل مناسب للجهل المذكور في هذه الآية.
وثانيها : ما روي في الخبر أنهم تكلموا بذلك على ما رويناه في قصة أبي بكر.
وثالثها : أن القول بالتشبيه غالب على اليهود، ومن قال بالتشبيه لا يمكنه إثبات كونه تعالى قادرا على كل المقدورات، وإذا عجز عن إثبات هذا الأصل عجز عن بيان أنه غني وليس بفقير.
والوجه الرابع : أن موسى عليه الصلاة والسلام لما طلب منهم أن يوافقوه في مجاهدة الأعداء قالوا : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون.
فموسى عليه السلام لما طلب منهم الجهاد بالنفس قالوا : لما كان الاله قادرا فأي حاجة به إلى جهادنا، وكذا ههنا أن محمدا عليه الصلاة والسلام لما طلب منهم الجهاد ببذل المال قالوا : لما كان الإله غنيا فأي حاجة به إلى أموالنا.
فكان إسنادهم هذه الشبهة إلى اليهود لائقا من هذا الوجه، وإن كان لا يمتنع أن يكون غيرهم من الجهال قد قال ذلك.


الصفحة التالية
Icon