فعن ابن عباس أنه قال : لما نزل قوله تعالى :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [ الرحمن : ٢٦ ] قالت الملائكة : مات أهل الأرض فلما نزل ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ﴾ قالت الملائكة : متنا، ووقوع الموت للأنفس في هذه النشأة الحيوانية الجسمانية مما لا ريب فيه إلا أن الحكماء بنوا ذلك على أن هذه الحياة لا تحصل إلا بالرطوبة والحرارة الغريزيتين.
ثم إن الحرارة تؤثر في تحليل الرطوبة، فإذا قَلت الرطوبة ضعفت الحرارة ولا تزال هذه الحال مستمرة إلى أن تفنى الرطوبة الأصلية فتنطفىء الحرارة الغريزية ويحصل الموت، ومن هنا قالوا : إن الأرواح المجردة لا تموت ولا يتصور موتها إذ لا حرارة هناك ولا رطوبة، وقد ناقشهم المسلمون في ذلك والمدار عندهم على حرارة الكاف ورطوبة النون، ولعلهم يفرقون بين موت وموت، وقد استدل بالآية على أن المقتول ميت وعلى أن النفس باقية بعد البدن لأن الذائق لا بد أن يكون باقياً حال حصول المذوق فتدبر، وقرأ اليزيدي ﴿ ذَائِقَةُ الموت ﴾ بالتنوين ونصب الموت على الأصل ؛ وقرأ الأعمش ﴿ ذَائِقَةُ الموت ﴾ بطرح التنوين مع النصب كما في قوله :
فألفيته غير مستعتب...
ولا ذاكراً لله إلا قليلاً
وعلى القراءات الثلاث ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ مبتدأ وجاز ذلك وإن كان نكرة لما فيه من العموم، و﴿ ذَائِقَةُ ﴾ الخبر، وأنث على معنى ﴿ كُلٌّ ﴾ لأن ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ نفوس ولو ذكر في غير القرآن على لفظ ﴿ كُلٌّ ﴾ جاز. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ١٤٥ ـ ١٤٦﴾
فائدة
قال أبو حيان :
﴿ كل نفس ذائقة الموت ﴾ تضمنت هذه الجملة وما بعدها الوعظ والتسلية لرسول الله ﷺ عن الدنيا وأهلها، والوعد بالنجاة في الآخرة بذكر الموت، والفكرة فيه تهون ما يصدر من الكفار من تكذيب وغيره.


الصفحة التالية
Icon