( ومن يكن في سيره جائرا تالله ما في سيرها جور )
ثم ربما أخطر الموت بخاطره وجعله من بعض خواطره فلا يهيج منه إلا غما ولا يثير من قلبه إلا حزنا مخافة أن يقطعه عما يؤمل أو يفطمه عن لذة في المستقبل وربما فر بفكره منه ودفع ذلك الخاطر عنه ويا ويحه كأنه لم يسمع قول الله عز وجل ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) ولا قول القائل
( فر من الموت أو اثبت له لا بد من أنك تلقاه )
( واكتب بهذي الدار ما شئته فإن في تلك ستقراه )
وكذلك من كان قلبه متعلقا بالدنيا وهمه فيها ونظره مصروفا إليها وسعيه كله لها وهو مع ذلك من طلابها المحرومين وأبنائها المكدودين لم ينل منها حظا ولا رقى منها مرقى ولا نجح له فيها مسعى إن ذكر له الموت تصامم عن ذكره ولم يمكنه من فكره وتمادى على أول أمره رجاء أن يبلغ ما أمل أو يدرك بعض ما تخيل فعمره ينقص وحرصه يزيد وجسمه يخلق وأمله جديد وحتفه قريب ومطلبه بعيد
يحرص حرص مقيم ويسير إلى الآخرة سير مجد كأن الدنيا حق اليقين والآخرة ظن من الظنون وفي مثل هذا قيل
( أتحرص يا ابن آدم حرص باق وأنت تمر ويحك كل حين )
( وتعمل طول دهرك في ظنون وأنت من المنون على يقين )
وهذا إذا ذكر الموت أو ذكر به لم يخف أن يقطع عليه مهما من الأغراض قد كان حصله ولا عظيما من الآمال في نفسه قد كان أدركه لأنه لم يصل إليه ولا قدر عليه لكنه يخاف أن يقطعه في المستقبل عن بلوغ أمل يحدث به نفسه ويخدع به حسه وهو يرى فيه يومه كما قد رأى فيه أمسه
قد ملأ قلبه بتلك الأحاديث المشغلة والأماني المرذلة والوساوس المتلفة قد جعلها ديدنه ودينه وإيمانه ويقينه
وربما ضاق ذرعه بالدنيا وطال همه فيها من تعذر مراده عليه وقلة تأتيه له فتمنى الموت إذ ذاك ليستريح بزعمه وهذا من جهله بالموت وبما بعد الموت والذي يستريح بالموت غيره والذي يفرح به سواه إنما الفرح من وراء الصراط والراحة بعد المغفرة. أ هـ ﴿ العاقبة في ذكر الموت حـ ١ صـ ٢٦ ـ ٢٨﴾


الصفحة التالية
Icon