فأصل ﴿ لتبلونّ ﴾ لتبلووننّ فلمّا توالى ثلاث نونات ثقل في النطق فحذفت نون الرفع فالتقى ساكنان : واو الرفع ونون التوكيد الشديدة، فحذفت واو الرفع لأنّها ليست أصلاً في الكلمة فصار لتبْلَوُنّ.
وكذلك القول في تصريف قوله تعالى :﴿ ولتسمعنّ ﴾ وفي توكيده.
والابتلاء : الاختبار، ويراد به هنا لازمه وهو المصيبة، لأنّ في المصائب اختباراً لمقدار الثبات.
والابتلاء في الأموال هو نفقات الجهاد، وتلاشي أموالهم التي تركوها بمكّة.
والابتلاء في الأنفس هو القتل والجراح.
وجمع مع ذلك سماع المكروه من أهل الكتاب والمشركين في يوم أُحُد وبعده.
والأذى هو الضرّ بالقول كقوله تعالى :﴿ لن يضروكم إلا أذى ﴾ [ آل عمران : ١١١ ] كما تقدّم آنفاً، ولذلك وصفه هنا بالكثير، أي الخارج عن الحدّ الذي تحتمله النفوس غالباً، وكلّ ذلك ممّا يفضي إلى الفشل، فأمَرَهم الله بالصبر على ذلك حتّى يحصل لهم النصر، وأمرهم بالتقوى أي الدوام على أمور الإيمان والإقبال على بثّه وتأييده، فأمّا الصبر على الابتلاء في الأموال والأنفس فيشمل الجهاد، وأمّا الصبر على الأذى ففي وقتى الحرب والسلم، فليست الآية مقتضية عدم الإذن بالقتال من حيث إنه أمرهم بالصبر على أذى الكفّار حتّى تكون منسوخة بآيات السيف، لأنّ الظاهر أنّ الآية نزلت بعد وقعة أُحُد، وهي بعد الأمر بالقتال.
قاله القفّال.
وقوله :﴿ فإن ذلك ﴾ الإشارة إلى ما تقدّم من الصبر والتقوى بتأويل : فإنّ المذكور.
و( عزم الأمور ) من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور العَزم، ووصفَ الأمور وهو جمع بعزم وهو مفرد لأنّ أصل عزم أنه مصدر فيلزم لفظه حالة واحدة، وهو هنا مصدر بمعنى المفعول، أي من الأمور المعزوم عليها.
والعزم إمضاء الرأي وعدم التردّد بعد تبيين السداد.


الصفحة التالية
Icon