إذا عرفت هذه القاعدة، فذكر في سورة البقرة ثمانية أنواع من الدلائل، ثم أعاد في هذه السورة ثلاثة أنواع منها، تنبيها على أن العارف بعد صيرورته عارفا لا بد له من تقليل الالتفات إلى الدلائل ليكمل له الاستغراق في معرفة المدلول، فكان الغرض من إعادة ثلاثة أنواع من الدلائل وحذف البقية، التنبيه على ما ذكرناه، ثم إنه تعالى استقصى في هذه الآية الدلائل السماوية وحذف الدلائل الخمسة الباقية، التي هي الدلائل الأرضية، وذلك لأن الدلائل السماوية أقهر وأبهر، والعجائب فيها أكثر، وانتقال القلب منها إلى عظمة الله وكبريائه أشد، ثم ختم تلك الآية بقوله :﴿لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ وختم هذه الآية بقوله :﴿لأُوْلِى الألباب﴾ لأن العقل له ظاهر وله لب، ففي أول الأمر يكون عقلا، وفي كمال الحال يكون لبا، وهذا أيضا يقوي ما ذكرناه، فهذا ما خطر بالبال، والله أعلم بأسرار كلامه العظيم الكريم الحكيم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٠٩ ـ ١١٠﴾
قال رحمه الله :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض ﴾ تقدّم معنى هذه الآية في "البقرة" في غير موضع.
فختم تعالى هذه السورة بالأمر بالنظر والاستدلال في آياته ؛ إذ لا تصدر إلا عن حَيّ قيّوم قدير قُدّوس سلامٍ غنيٍّ عن العالمين ؛ حتى يكون إيمانُهم مستنداً إلى اليقين لا إلى التقليد.
﴿ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب ﴾ الذين يستعملون عقولهم في تأمّل الدلائل.


الصفحة التالية
Icon