والثاني : أن يقرأ كلاهما بضم الباء، فمن قرأ بالتاء وفتح الباء فيهما جعل التقدير : لا تحسبن يا محمد، أو أيها السامع، ومن ضم الباء فيهما جعل الخطاب للمؤمنين : وجعل أحد المفعولين الذين يفرحون، والثاني : بمفازة وقوله :﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ﴾ تأكيد للأول وحسنت إعادته لطول الكلام، كقولك : لا تظن زيدا إذا جاءك وكلمك في كذا وكذا فلا تظنه صادقا، وأما القراءة الثانية وهي بالياء المنقطة من تحت في قوله :﴿لا تَحْسَبَنَّ﴾ ففيها أيضا وجهان : الأول : بفتح الباء وبضمها فيهما جعل الفعل للرسول ﷺ والباقي كما علمت.
والوجه الثاني : بفتح الباء في الأول وضمها في الثاني وهو قراءة أبي عمرو، ووجهه أنه جعل الفعل للذين يفرحون ولم يذكر واحدا من مفعوليه، ثم أعاد قوله :﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ﴾ بضم الباء وقوله :﴿هُمْ﴾ رفع باسناد الفعل إليه، والمفعول الأول محذوف والتقدير : ولا تحسبن هؤلاء الذين يفرحون أنفسهم بمفازة من العذاب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٠٧﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى وصف هؤلاء القوم بأنهم يفرحون بفعلهم ويحبون أيضا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، والمفسرون ذكروا فيه وجوها :
الأول : أن هؤلاء اليهود يحرفون نصوص التوراة ويفسرونها بتفسيرات باطلة ويروجونها على الاغمار من الناس، ويفرحون بهذا الصنع ثم يحبون أن يحمدوا بأنهم أهل الدين والديانة والعفاف والصدق والبعد عن الكذب، وهو قول ابن عباس، وأنت إذا أنصفت عرفت أن أحوال أكثر الخلق كذلك، فإنهم يأتون بجميع وجوه الحيل في تحصيل الدنيا ويفرحون بوجدان مطلوبهم، ثم يحبون أن يحمدوا بأنهم أهل العفاف والصدق والدين