كقول الآخر :[ الطويل ]
بأيِّ كِتَابٍ، أمّ بِأيَّةِ سُنَّةٍ... تَرَى حُبَّهُمْ عَاراً عَلَيَّ وَتحْسَبُ
أي : وتحسب حبهم عاراً، فحذفت مفعولي الفعل الثاني ؛ لدلالة مفعولي الأول عليهما، وهو عكس الآيةِ الكريمةِ، حيث حذف فيها من الفعلِ الأولِ.
ثانيها : أن الفعل الأول لم يحتج إلى مفعولين هنا.
قال أبو علي " تَحْسَبَنَّ " لم يقع على شيء و" الَّذيِنَ " رفع به، وقد تجيء هذه الأفعال لَغْواً، لا في حُكْمِ الجُمَل المفيدة، نحو قوله :[ الطويل ]
وَمَا خِلْتُ أبْقَى بِيْنَنَا مِنْ مَوَدَّةٍ... عِرَاضُ الْمَذَاكِي المُسْنِفَاتِ الْقَلائِصا
المذاكي : الخيل التي قد أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان، الواحد : مُذَك مثل المُخَلف من الإبل وفي المثل : جريُ المذكيات غِلاب.
والمُسْنفات : اسم مفعول، يقال : سنفت البعير أسنفه، سنفاً، إذا كففته بزمامه وأنت راكبه وأسنف البعير لغة في سنفه وأسنف البعير بنفسه إذا رفع رأسه، يتعدى ولا يتعدى وكانت العربُ تركب الإبلَ، وتجنب الخيل، تقول : الحرب لا تبقى مودة وقال الخليلُ : العربُ تقول : ما رأيته يقول ذلك إلا زيدٌ، وما ظننته يقول ذلك إلا زيدٌ.
يعني أبو علي أنها في هذه الأماكن مُلْغَاة، لا مفعول لها.
ثالثها : أن يكون المفعول الأول للفعل الأول محذوفاً، والثاني هو نفس " بِمَفَازَةٍ " ويكون " فَلاَ يَحْسَبَنهُمْ " توكيداً للفعل الأول، وهذا رأي الزمخشريِّ ؛ فإنه قال بعد ما حكى هذه القراءة - :" على أن الفعل لِـ ﴿ الذين يَفْرَحُونَ ﴾ والمفعول الأول محذوف، على معنى : لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة بمعنى : لا يحسبنهم أنفسهم الذين يفرحون فائزين، و" فلا يحسبنهم " تأكيد ".