قوله :﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ ﴾ أصله : تحسبونَنَّهم، بنونين - الأولى نون الرفع، والثانية للتوكيد - وكتصريفه لا يخفى من القواعد المتقدمة. وتعدى هنا فعل المضمر المنفصل إلى ضميره المتصل، وهو خاص بباب الظن، وبعدم وفقد دون سائر الأفعال. لو قلت :" أكرمتُني "، أي :" أكرمت أنا نفسي " لم يجز.
وأما قراءة الكوفيين فالفعلانِ فيها مسندان إلى ضمير المخاطب إما الرسول ﷺ أو كل من يصلح للخطاب - والكلام في المفعولين للفعلين كالكلام فيهما في قراءة أبي عمرو وابن كثيرٍ، على قولنا إن الفعلَ الأولَ مسندٌ لضميرٍ غائبٍ، والفعل الثاني تأكيدٌ للأولِ، أو بدلٌ منه، والفاء زائدة، كما تقدم في توجيه قراءة أبي عمرو وابن كثير، على قولنا : إن الفعلين مسندان للموصول ؛ لأن الفاعل فيهما واحد، واستدلوا على أن الفاء زائدة بقول الشاعر :[ الكامل ]
لا تَجْزَعِي إنْ مُنْفِساً أهْلَكْتُهُ... فَإذَا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذلِكَ فَاجْزَعِي
وقول الآخر :[ الكامل ]
لَمَّا اتَّقَى بِيَدٍ عَظِيمٍ جِرْمُهَا... فَتَرَكْتُ ضَاحِيَ جِلْدِهَا يَتَذَبْذَبُ
وقول الآخر :[ الكامل ]
حَتَّى تَرَكْتُ العَائِدَاتِ يَعُدْنَهُ... فَيَقُلْنَ : لا تَبْعَدْ، وَقُلْتُ لَهُ : ابْعَدِ
إلا أنَّ زيادةَ الفاءِ ليس رأي الجمهورِ، إنما قال به الأخفش.