وأما قراءة نافع وابن عامرٍ - بالغيبة في الأولِ، والخطاب في الثاني - فوجهها أنهما غايرا بين الفاعلين، والكلام فيهما يؤخذ مما تقدم، فيؤخذ الكلام في الفعل الأول من الكلام على قراءة أبي عمرو وابن كثير، وفي الثاني من الكلام على قراءة الكوفيين بما يليق به، إلا أنه ممتنع - هنا - أن يكون الفعل الثاني تأكيداً للأول، أو بدلاً منه ؛ لاختلاف فاعليهما، فتكون الفاء - هنا - عاطفةً ليس إلا، وقال أبو علي في الحُجة - : إن الفاءَ زائدة، والثاني بدلٌ من الأولِ، قال :" وليس هذا موضع العطف لأن الكلامَ لم يتم، ألا ترى أن المفعول الثاني لم يُذْكَر بَعْدُ ".
وفيه نظرٌ ؛ لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
وأما قراءة الخطاب فيهما مع ضم الباء فيهما فالفعلان مسندان لضمير المؤمنين المخاطبين، والكلام في المفعولين كالكلام فيهما في قراءة الكوفيينَ.
وأما قراءةُ الغيبةِ وفتح الباء فيهما فالفعلان مسندانِ إلى ضميرٍ غائبٍ، أي : لا يحسبن الرسولُ، أو حاسبٌ.
والكلامُ في المفعولينِ للفعلينِ، كالكلام في القراءة التي قبلها، والثاني من الفعلين تأكيدٌ، أو بدلٌ، والفاءُ زائدةٌ - على هاتينِ القرائتينِ - لاتحادِ الفاعلِ.
وقرأ النَّخعِيُّ، ومروان بن الحكمِ " بما آتوا " ممدوداً، أي : أعْطُوا، وقرأ علي بن أبي طالبٍ " أوتوا " مبنياً للمفعول.
قوله :﴿ مِّنَ العذاب ﴾ فيه وجهانِ :
أحدهما : أنه متعلق بمحذوف، على أنه صفة لِـ " مَفَازَةٍ " أي : بمفازة كائنةٍ من العذاب على جَعْلِنَا " مَفَازَةٍ " مكاناً، أي بموضع فَوْز.
قال أبو البقاء :" لأن المفازةَ مكان، والمكانُ لا يعملُ ".


الصفحة التالية
Icon