ويتابع الحق :﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ هذا في عين الناظر فقط، فأنت حين تركب البحر ثم ترى الشمس عند الغروب تغطس في البحر، وعندما تذهب للمنطقة التي غطست الشمس فيها تجد الشمس موجودة ؛ لأنها لا تغيب أبدا، إنما ﴿ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ أي فوجد الشمس في نظره عند غروبها عنه كأنها تغرب في مكان به عين ذات ماء حار وطين أسود.
ويتابع الحق :﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾.
والناس تفهم أن هذا تخيير، يعني إما أن تعذبهم، وإما تُحسن إلى من كنت تعذبهم، لكن الدقة والتمعن يوضحان لنا أن الحق قد أعطى تفويضاً لذي القرنين، بقوله :﴿ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ فَفَهمَ ذو القرنين عن الله التفويض، ولم يأخذ التفويض وافترى، بل قال :﴿ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ وليس هذا هو العذاب الذي يستحقه، لا، نحن سنعذبه في دنيانا كي لا يستشرى فيها الشرّ. وفوق ذلك سيعذبه الله عذاباً آخر ﴿ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً ﴾ إنه أولاً لم يصف عذابه بنكر، إنما وصف عذاب الله فقال :﴿ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً ﴾، لأن عذاب البشر للبشر على قدر البشر، لكن عذاب الله يتناسب مع قدرة الله، فهل لنا طاقة بهذا العذاب والعياذ بالله ؟ ليس لنا طاقة به، وماذا عن موقف ذي القرنين من الذي آمن ؟ إنه موقف مختلف.