يُوَطِّنُ نُفُوسَهُمْ عَلَى الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ، وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهَا بِالْمَالِ، وَتَحَمُّلِ الْمَكَارِهِ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنَ الشَّرَهِ، وَالطَّمَعِ فِي الْمَالِ حَتَّى إِذَا طَمِعُوا، أَوْ قَصَّرُوا فِي الِاحْتِيَاطِ - كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي أُحُدٍ - عَلِمُوا أَنَّهُمْ مَا أُصِيبُوا إِلَّا
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ، أَوْ قَصَّرَتْ فِيهِ هِمَمُهُمْ فَلَا يَتَعَلَّلُونَ، وَلَا يَقُولُونَ كَيْفَ أُصِبْنَا وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ ؟ وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْمَالِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسِيلَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الِاسْتِعْدَادُ لِبَذْلِ النَّفْسِ، فَبَذْلُ الْمَالِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ قَبْلَ بَذْلِ النَّفْسِ، أَوْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا مَا يَبْذُلُ نَفْسَهُ دِفَاعًا عَنْ مَالِهِ، فَالَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الْمَالَ شَقِيقُ الرُّوحِ لَاحَظُوا الْغَالِبَ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ عَلَى نَفْسِهِ. عَلِمْنَا أَنَّ فَائِدَةَ الِابْتِلَاءِ هِيَ تَمْيِيزُ الْخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ، وَأَمَّا الْإِخْبَارُ بِهِ فَفَائِدَتُهُ التَّعْرِيفُ بِالسُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ، وَتَهْيِئَةُ الْمُؤْمِنِ لَهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِمُقَاوَمَتِهَا، فَإِنَّ مَنْ تَحْدُثُ لَهُ النِّعْمَةُ فَجْأَةً عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ وَلَا سَعْيٍ تُرْجَى هِيَ مِنْ وَرَائِهِ تُدْهِشُهُ وَتُبْطِرُهُ، وَرُبَّمَا تُهَيِّجُ عَصَبَهُ فَيَقَعُ فِي دَاءٍ أَوْ يَمُوتُ فَجْأَةً، وَكَذَلِكَ مَنْ تَقَعُ بِهِ الْمُصِيبَةُ فَجْأَةً عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ يَعْظُمُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَيُحِيطُ بِهِ الْغَمُّ حَتَّى يَقْتُلَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، أَمَّا الْمُسْتَعِدُّ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَلِيعًا قَوِيًّا.