الأول : أنه تعالى لما حكى عن اليهود شبها طاعنة في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وأجاب عنه أتبعه بهذه الآية، وذلك لأنه تعالى أوجب عليهم في التوراة والإنجيل على أمة موسى وعيسى عليهما السلام، أن يشرحوا ما في هذين الكتابين من الدلائل الدالة على صحة دينه وصدق نبوته ورسالته، والمراد منه التعجب من حالهم كأنه قيل : كيف يليق بكم إيراد الطعن في نبوته ودينه مع أن كتبكم ناطقة ودالة على أنه يجب عليكم ذكر الدلائل الدالة على صدق نبوته ودينه.
الثاني : أنه تعالى لما أوجب في الآية المتقدمة على محمد ﷺ احتمال الأذى من أهل الكتاب، وكان من جملة ايذائهم للرسول ﷺ أنهم كانوا يكتمون ما في التوراة والإنجيل من الدلائل الدالة على نبوته، فكانوا يحرفونها ويذكرون لها تأويلات فاسدة، فبين أن هذا من تلك الجملة التي يجب فيها الصبر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٠٥﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ هذا متّصل بذكر اليهود ؛ فإنهم أمِروا بالإيمان بمحمد عليه السلام وبيانِ أمره، فكتموا نعته.
فالآية توبيخ لهم، ثم مع ذلك هو خبر عام لهم ولغيرهم.
قال الحسن وقتادة : هي في كل من أُوتي عِلم شيء من الكتاب.
فمن عَلم شيئاً فليُعلِّمه، وإيّاكم وكتمانَ العلم فإنه هَلكة.
وقال محمد بن كعب : لا يحلّ لعالم أن يسكت على علمه، ولا للجاهل أن يسكت على جهله ؛ قال الله تعالى ﴿ وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ الآية.
وقال :﴿ فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٧ ].
وقال أبو هريرة : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدّثتكم بشيء ؛ ثم تلا هذه الآية ﴿ وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾.


الصفحة التالية
Icon