ثُمَّ بَيَّنَ - تَعَالَى - جَرِيمَةً أُخْرَى مِنْ جَرَائِمِهِمْ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَيْ أَخَذُوا بَدَلَهُ فَائِدَةً دُنْيَوِيَّةً قَلِيلَةً لَا تُوَازِي عُشْرَ فَوَائِدِ بَيَانِ الْكِتَابِ، وَالْعَمَلِ بِهِ، فَكَانُوا مَغْبُونِينَ فِي هَذَا الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَهَذَا الثَّمَنُ هُوَ مَا كَانَ يَسْتَفِيدُهُ الرُّؤَسَاءُ مِنَ الْمَرْءُوسِينَ وَعَكْسُهُ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ - وَمِنْهُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعُلَمَاءُ إِلَى الْحُكَّامِ، وَأُجُورُ الْفَتَاوَى الْبَاطِلَةِ، وَسَيَأْتِي بَعْضُ التَّفْصِيلِ فِيهِ، وَالْعِبْرَةُ بِهِ.
وَقَدْ أَرْجَعَ بَعْضُهُمْ كَالزَّمَخْشَرِيِّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : فَنَبَذُوهُ وَقَوْلِهِ : وَاشْتَرَوْا بِهِ إِلَى الْمِيثَاقِ. وَجَرَى مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِي الدَّرْسِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ بَعْضُ الطُّلَّابِ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بِمَعْنَى آيَةِ الْبَقَرَةِ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ [٢ : ١٧٤] الْآيَةَ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْكِتَابِ، فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهَا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي، وَفِي مَعْنَاهَا


الصفحة التالية
Icon