" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قرأ الجمهورُ بتخفيف " لكن " وأبو جعفر بتشديدها، فعلى القراءة الأولى الموصول رفع بالابتداء، وعند يونس يجوز إعمال المخففة، وعلى الثانية في محل نصب.
ووقعت " لكِن " هنا أحسن موقع ؛ فإنها وقعت بين ضِدَّيْن، وذلك أن معنى الجملتينِ - التي بعدها والتي قبلها - آيلٌ إلى تعذيب الكفار، وتنعيم المؤمنين المتقين. ووجه الاستدراك أنه لما وصف الكفار بقلة نَفْع تقلبهم في التجارة، وتصرُّفهم في البلاد لأجْلِها، جاز أن يتوهَّم مُتَوَهِّمٌ أن التجارة - من حيث هي - متصفة بذلك، فاستدرك أنَّ المتقينَ - وإن أخذوا في التجارة - لا يضرهم ذلك، وأنَّ لهم ما وعدهم به.
قوله :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ هذه الجملة أجاز مكيٌّ فيها وجهينِ :
أحدهما : الرفع، على النعت لِـ " جَنَّاتٌ ".
والثاني : النصبُ، على الحال من الضمير المستكن في " لَهُمْ " قال :" وإن شئت في موضع نصب على الحال من المضمر المرفوع في " لَهُمْ " إذْ هو كالفعل المتأخر بعد الفاعل إن رفعت " جَنَّاتٌ " بالابتداء، فإن رفعتها بالاستقرار لم يكن في " لَهُمْ " ضميرٌ مرفوعٌ ؛ إذ هو كالفعل المتقدِّم على فاعله ". يعني أنّ " جَنَّاتٌ " يجوز فيها رفعها من وجهين :
أحدهما : الابتداء، والجار قبلها خبرها، والجملة خبر " الَّذِينَ اتَّقوا ".
ثانيهما : الفاعلية ؛ لأن الجارَّ قبلها اعتمد بكونه خبراً لِـ " الَّذِينَ اتَّقَوْا ". وقد تقدم أن هذا أوْلَى، لقُربه من المفرد.
فإنْ جعلنا رفعها بالابتداء جاز في ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ وجهان : وجهان : الرفع على النعت، والنصب على الحال من الضمير المرفوع في " لَهُمْ " لتحمُّله - حينئذٍ - ضميراً.
وإن جعلنا رفعها بالفاعلية تعيَّن أن يكون الجملة بعدها في موضع رَفْع ؛ نعتاً لها، ولا يجوز النصبُ على الحال، لأن " لَهُمْ " ليس فيه - حيئذٍ - ضمير ؛ لرفعه الظاهر.
و" خَالِدِينَ " نُصِبَ على الحالِ من الضمير في " لَهُمْ " والعاملُ فيه معنى الاستقرارِ.
قوله :" نُزُ لاً " النُّزُل : ما يُهَيَّأ للنزيل - وهو الضيف.
قال أبو العشراء الضبي :[ الطويل ]
وكُفَّا إذَا الْجَبَّارُ بِالْجَيْشِ ضَافَنَا... جَعَلْنَا الْقَنَا والْمُرْهَفَاتِ لَهُ نُزُلا
هذا أصله، ثم اتُّسِع فيه، فأطلق على الرزق والغذاء - وإن لم يكن لضيف - ومنه قوله تعالى :﴿ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴾ [ الواقعة : ٩٣ ] وفيه قولانِ، هل هو مصدرٌ أو جمع نازل، كقول الأعشى :[ البسيط ]
.............................. أو تَنْزِلُونَ فَإنَّا مَعْشَرٌ نُزُلُ
إذا تقرَّر هذا ففي نَصْبه سِتَّةُ أوجهٍ :


الصفحة التالية
Icon