﴿ أولئك ﴾ أي الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة، واختيار صيغة البعد للإيذان بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف والفضيلة ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ ﴾ أي ثواب أعمالهم وأجر طاعتهم والإضافة للعهد أي الأجر المختص بهم الموعود لهم بقوله سبحانه :﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾ [ القصص : ٥٤ ] وقوله تعالى :﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾ [ الحديد : ٢٨ ] وفي التعبير بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ما لا يخفى من اللطف.
وفي الكلام أوجه من الإعراب فقد قالوا : إن أولئك مبتدأ والظرف خبره وأجرهم مرتفع بالظرف، أو الظرف خبر مقدم، وأجرهم مبتدأ مؤخر، والجملة خبر المبتدأ، وعند ربهم نصب على الحالية من أجرهم.
وقيل : متعلق به بناءاً على أن التقدير لهم أن يؤجروا عند ربهم، وجوز أن يكون أجرهم مبتدأ ؛ وعند ربهم خبره، ولهم متعلق بما دل عليه الكلام من الاستقرار والثبوت لأنه في حكم الظرف، والأَوجَه من هذه الأَوجُه هو الشائع على ألسنة المعربين.
﴿ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب ﴾ إما كناية عن كمال علمه تعالى بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق وأنه يوفيها كل عامل على ما ينبغي وقدر ما ينبغي وحينئذٍ تكون الجملة استئنافاً وارداً على سبيل التعليل لقوله تعالى :﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ ﴾ أو تذييلاً لبيان علة الحكم المفاد بما ذكر، وإما كناية عن قرب الأجر الموعود فإن سرعة الحساب تستدعي سرعة الجزاء، وحينئذٍ تكون الجملة تكميلاً لما قبلها فإنه في معنى الوعد كأنه قيل : لهم أجر عند ربهم عن قريب، وفصلت لأن الحكم بقرب الأجر مما يؤكد ثبوته. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ١٧٣ ـ ١٧٥﴾