بم فقال عز من قائل :﴿ يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اصبروا ﴾ أي احبسوا نفوسكم عن الجزع مما ينالها، والظاهر أن المراد الأمر بما يعم أقسام الصبر الثلاثة المتفاوتة في الدرجة الواردة في الخبر، وهو الصبر على المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية ﴿ وَصَابِرُواْ ﴾ أي اصبروا على شدائد الحرب مع أعداء الله تعالى صبراً أكثر من صبرهم، وذكره بعد الأمر بالصبر العام لأنه أشدّ فيكون أفضل، فالعطف كعطف جبريل على الملائكة والصلاة الوسطى على الصلوات، وهذا وإن آل إلى الأمر بالجهاد إلا أنه أبلغ منه.
﴿ وَرَابِطُواْ ﴾ أي أقيموا في الثغور رابطين خيولكم فيها حابسين لها مترصدين للغزو مستعدين له بالغين في ذلك المبلغ الأوفى أكثر من أعدائكم، والمرابطة أيضاً نوع من الصبر، فالعطف هنا كالعطف السابق.
وقد أخرج الشيخان عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال :" رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها "، وأخرج ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ﷺ قال :" من مات مرابطاً في سبيل الله تعالى أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله تعالى آمناً من الفزع "، وأخرج الطبراني بسند لا بأس به عن جابر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" من رابط يوماً في سبيل الله تعالى جعل الله تعالى بينه وبين النار سبع خنادق كل خندق كسبع سموات وسبع أرضين "، وأخرج أبو الشيخ عن أنس مرفوعاً " الصلاة بأرض الرباط بألف ألفي صلاة " وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرباط أفضل من الجهاد لأنه حقن دماء المسلمين والجهاد سفك دماء المشركين.


الصفحة التالية
Icon