وبالجملة لا يرتاب المتفكر البصير في أن الإنسان لا يقدم على حرمان لا يرجع إليه فيه جزاء ولا يعود إليه منه نفع والذي يعده ويمنيه في هذه الموارد ببقاء الذكر الحسن والثناء الجميل الخالد والفخر الباقي ببقاء الدهر فإنما هو غرور يغتر به وخدعة ينخدع بها بهيجان إحساساته وعواطفه فيخيل إليه أنه بعد موته وبطلانذاته حاله كحاله قبل موته فيشعر بذكره الجميل فيلتذ به وليس ذلك إلا من غلط الوهم كالسكران يتسخر بهيجان إحساساته فيعفو ويبذل من نفسه وعرضه وماله أو كل كرامة له ما لا يقدم عليه لو صحا وعقل وهو سكران لا يعقل ويعد ذلك فتوه وهو سفه وجنون.
فهذه العثرات وأمثالها مما لا حصن للإنسان يتحصن فيه منها غير التوحيد الذي ذكرناه ولذلك وضع الإسلام الأخلاق الكريمة التي جعلها جزءا من طريقته الجارية على أساس التوحيد الذي من شؤونه القول بالمعاد ولازمه أن يلتزم الإنسان بالاحسان ويجتنب الاساءة أينما كان ومتى ما كان سواء علم به أو لم يعلم وسواء حمده حامد أو لم يحمد وسواء كان معه من يحمله عليه أو يردعه عنه أو لم يكن فإن معه الله العليم الحفيظ القائم على كل نفس بما كسبت وورائه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء وفيه تجزى كل نفس بما كسبت ٧ منطقان منطق التعقل ومنطق الاحساس أما منطق الاحساس فهو يدعو إلى النفع الدنيوي ويبعث إليه فإذا قارن الفعل نفع وأحس به الإنسان فالاحساس متوقد شديد التوقان في بعثه وتحريكه وإذا لم يحس الإنسان بالنفع فهو خامد هامد وأما منطق التعقل فإنما يبعث إلى اتباع الحق ويرى أنه أحسن ما ينتفع به الإنسان أحس مع الفعل بنفع مادى أو لم يحس فإن ما عند الله خير وابقى وقس في ذلك بين قول عنترة وهو على منطق الاحساس وقولى كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي.


الصفحة التالية
Icon