والقوانين المدنية الحاضرة لما وضعت بناء أحكامها على أساس التمتع المادي كما عرفت أنتج ذلك حرية الأمة في أمر المعارف الأصلية الدينية من حيث الالتزام بها وبلوازمها وفي أمر الأخلاق وفي ما وراء القوانين من كل ما يريده ويختاره الإنسان من الأرادات والأعمال فهذا هو المراد بالحرية عندهم.
وأما الإسلام فقد وضع قانونه على أساس التوحيد كما عرفت ثم في المرتبة التالية على أساس الأخلاق الفاضلة ثم تعرضت لكل يسير وخطير من الأعمال الفردية والاجتماعية كائنة ما كانت فلا شئ مما يتعلق بالإنسان أو يتعلق به الإنسان إلا وللشرع الإسلامى فيه قدم أو أثر قدم فلا مجال ولا مظهر للحرية بالمعنى المتقدم فيه.
نعم للإنسان فيه الحرية عن قيد عبودية غير الله سبحانه وهذا وإن كان لا يزيد على كلمة واحدة غير أنه وسيع المعنى عند من بحث بحث تعمق في السنة الإسلامية
والسيرة العملية التي تندب إليها وتقرها بين أفراد المجتمع وطبقاته ثم قاس ذلك إلى ما يشاهد من سنن السؤدد والسيادة والتحكمات في المجتمعات المتمدنة بين طبقاتها وأفرادها أنفسها وبين كل أمة قوية وضعيفة.
وأما من حيث الأحكام فالتوسعة فيما اباحه الله من طيبات الرزق ومزايا الحياة المعتدلة من غير إفراط أو تفريط قال تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق الآية " الاعراف - ٣٢ " وقال تعالى ﴿ خلق لكم ما في الأرض جميعا " البقرة : وقال تعالى { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه : الجاثية - ١٣.
ومن عجيب الأمر ما رامه بعض الباحثين والمفسرين وتكلف فيه من إثبات حرية العقيدة في الإسلام بـ قوله تعالى { لا إكراه في الدين " البقرة - ٢٥٦ " ﴾
وما يشابهه من الآيات الكريمة.


الصفحة التالية
Icon