ونوع آخر لا يقبل التحول وإن كان يقبل التكامل بمعنى آخر وهو العلوم والمعارف العامة الإلهية التي تقضي في المبدأ والمعاد والسعادة والشقاء وغير ذلك قضاءا قاطعا واقفا غير متغير ولا متحول وإن قبلت الارتقاء والكمال من حيث الدقة والتعمق وهذه العلوم والمعارف لا تؤثر في الاجتماعات وسنن الحياة إلا بنحو كلي فوقوف هذه المعارف والآراء وثبوتها على حال واحد لا يوجب وقوف الاجتماعات عن سيرها الارتقائي كما نشاهد أن عندنا آراءا كثيرة كلية ثابتة على حال واحد من غير أن يقف اجتماعنا لذلك عن سيره كقولنا إن الإنسان يجب أن ينبعث إلى العمل لحفظ حياته وإن العمل يجب أن يكون لنفع عائد إلى الإنسان وإن الإنسان يجب أن يعيش في حال الاجتماع وقولنا إن العالم موجود حقيقة لا وهما وإن الإنسان جزء من العالم وإن الإنسان جزء من العالم الأرضي وإن الإنسان ذو أعضاء وأدوات وقوى إلى غير ذلك من الآراء والمعلومات الثابتة التي لا يوجب ثبوتها ووقوفها وقوف الاجتماعات وركودها ومن هذا القبيل القول بأن للعالم إلها واحدا شرع للناس شرعا جامعا لطرق السعادة من طريق النبوة وسيجمع الجميع إلى يوم يوفيهم فيه جزاء أعمالهم وهذه هي الكلمة الوحيدة التي بنى عليها الإسلام مجتمعه وتحفظ عليها كل التحفظ ومن المعلوم أنه مما لا يوجب
باصطكاك ثبوته ونفيه وإنتاج رأي آخر فيه إلا انحطاط المجتمع كما بين مرارا وهذا شأن جميع الحقائق الحقة المتعلقة بما وراء الطبيعة فإنكارها بأي وجه لا يفيد للمجتمع إلا انحطاطا وخسة.
والحاصل أن المجتمع البشري لا يحتاج في سيره الارتقائي إلا إلى التحول والتكامل يوما فيوما في طرق الاستفادة من مزايا الطبيعة وهذا إنما يتحقق بالبحث الصناعي المداوم وتطبيق العمل على العلم دائما والإسلام لا يمنع من ذلك شيئا.


الصفحة التالية
Icon