ثم يعترف بأن في كل من ذلك حكماً ومقاصد وفوائد لا يحيط بتفاصيلها إلا موجدها فيقول :﴿ ما خلقت هذا باطلاً ﴾ ثم إذا قاس أحوال هذه المصنوعات إلى صانعها علم أن ذاته تعالى منزه عن مشابهة شيء من هذه المصنوعات فيعلم أنه ليس بجوهر ولا عرض ولا مركب ولا مؤلف ولا في حيز وجهة فيقول :﴿ سبحانك ﴾ أي أنزهك عما لا يليق بلك من مناسبة الجواهر والأعراض. ثم إذا بلغ من الاستغراق في بحار العظمة والجلال هذا المبلغ وجد نفسه ذرة من ذرات الكائنات واقعة في حضيض عالم البشرية محاطة بالطبائع والأركان، فيتضرع إلى خالق السموات والأرض أن يخلصه من قيد العناصر ويعرج به من الأرض ويقيه عذاب كرة النار ويوصله إلى معارج السموات وذلك قوله ﴿ فقنا عذاب النار ﴾، ثم ذكر سبب الاستعاذة من النار بقوله :﴿ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ﴾ أي أبلغت في إخزائه نظيره قوله :﴿ فقد فاز ﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ] وفي كلامهم : من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك. ثم توسل إلى ما سأل بالإيمان بمحمد ﷺ وذلك قوله :﴿ ربنا إننا سمعنا منادياً ﴾ الآية. فهذا بيان وجه النظم في هذه الكلمات والآيات على وجه " ألقى في ورعي " والله أعلم بأسرار كلامه. عن النبي ﷺ :" بينما رجل مستلق على فراشه إذا رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد أن لك رباً وخالقاً اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له " وعنه ﷺ :" لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض " قالوا : وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب لأن أحداً لا يقدر على أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض. وعنه ﷺ :" لا عبادة كالتفكر " وهذا إشارة إلى لفظ الخلق على أنه بمعنى المخلوق أو إلى السموات والأرض بتأويل المخلوق. وفي كلمة ﴿ هذا ﴾ ضرب من التعظيم كأنه لعظم شأنه معقود به الهمم


الصفحة التالية
Icon