وقوله :﴿ سبحانك ﴾ جملة معترضة تنزيهاً له من العبث وأن يخلق شيئاً بغير حكمة. فوجه النظم في قوله :﴿ فقنا عذاب النار ﴾ أن الحكمة في خلق الأرض والسموات أن يجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفته ووجوب طاعته واجتناب معصيته، والنار جزاء من عصى ولم يطع. وقالت الأشاعرة : الدليل الدال على أن أحد طرفي الممكن لا يترجح إلا بمرجح عام، وذلك المرجح لا بد أن ينتهي إلى الله تعالى، فإذن الخير والشر والأفعال كلها بقضاء الله وقدره، فلا يمكن أن تعلل أفعال الله بمصالح العباد بل له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء. والباطل في اللغة الذاهب الزائل. الذي لا يكون له قوّة ولا صلابة فيكون بصدد التلاشي والاضمحلال. والمراد أن خلقهما خلق محكم متقن كقوله :﴿ وبنينا فوقكم سبعاً شداداً ﴾ [ النبأ : ١٢ ] ﴿ هل ترى من فطور ﴾ [ الملك : ٣ ] ومعنى ﴿ سبحانك ﴾ أنك وإن خلقتهما في غاية شدة التركيب وبصدد البقاء إلا أنك غني عن الاحتياج إليهما، منزه عن الانتفاع بهما. ثم لما وصف ذاته تعالى بالغنى أقر لنفسه بالعجز والحاجة إليه في الدنيا والآخرة فقال ﴿ فقنا عذاب النار ﴾ واحتج حكماء الإسلام بالآية على أنه سبحانه خلق الأفلاك والكواكب وأودع في كل واحد منها قوى مخصوصة، وجعلها بحيث يحصل من حركتها واتصال بعضها ببعض مصالح هذا العالم ومنافع قطان العالم السفلي. قالوا : لأنها لو لم تكن كذلك لكانت باطلة، ولا يمكن أن تقصر منافعها على الاستدلال بها على الصانع لأن كل ذرة من ذرات الهواء والماء يشاركها في ذلك، فلا تبقى لخصوصياتها فائدة وهو خلاف النص. وناقشهم المتكلمون في ذلك وقالوا : إن الفلكيات أسباب للأرضيات على مجرى العادة لا على سبيل الحقيقة. والإنصاف في هذا المقام أن وجود الوسائط لا ينافي استناد الكل إلى مسبب الأسباب، وأن كون أفعال الله تعالى مستتبعة لمصالح العباد لا ينافي جريان الأمور كلها بقضائه وقدره. ثم إنهم لما