وقال ابن عطية :
نزلت ﴿ لا يغرنك ﴾ في هذه الآية، منزلة : لا تظن أن حال الكفار حسنة فتهتم لذلك، وذلك أن المغتر فارح بالشىء الذي يغتر به، فالكفار مغترون بتقلبهم والمؤمنون مهتمون به، لكنه ربما يقع في نفس مؤمن أن هذا الإملاء للكفار إنما هو لخير لهم، فيجىء هذا جنوحاً إلى حالهم ونوعاً من الاغترار فلذلك حسنت ﴿ لا يغرنك ﴾ ونظيره قول عمر لحفصة : لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله ﷺ، المعنى : لا تغتري بما يتم لتلك من الإدلال فتقعي فيه فيطلقك النبي ﷺ، والخطاب للنبي عليه السلام، والمراد أمته وللكفار في ذلك حظ، أي لا يغرنكم تقلبهم، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب :" لا يغرنْك " بسكون النون خفيفة، وكذلك " لا يصدنك ولا يصدنكم ولا يغرنكم " - وشبهه، و" التقلب " : التصرف في التجارات والأرباح والحروب وسائر الأعمال، ثم أخبر تعالى عن قلة ذلك المتاع، لأنه منقض صائر إلى ذل وقل وعذاب.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع :" لكنّ الذين "، بشد النون، وعلى أن ﴿ الذين ﴾ في موضع نصب اسماً ل " لكنّ "، و﴿ نزلاً ﴾ : معناه تكرمة، ونصبه على المصدر المؤكد، وقرأ الحسن :" نزْلاً " ساكنة الزاي، وقوله تعالى :﴿ وما عند الله خير للأبرار ﴾ يحتمل أن يريد : خير مما هؤلاء فيه من التقلب والتنعم، ويحتمل أن يريد : خير مما هم فيه في الدنيا، وإلى هذا ذهب ابن مسعود فإنه قال : ما من مؤمن ولا كافر إلا والموت خير له، أما الكافر فلئلا يزداد إثماً، وأما المؤمن فلأن ما عند الله خير للأبرار.