قال ابن جني رحمه الله تعالى : اللغة فعلة من لغوت أي : تلكمت، وأصلها لغوة ككرة وقلة فإن لاماتها كلها واوات، بدليل قولهم كروت بالكرة وقاوت بالقلة، وقيل فيه لغى يلغى إذا هذا، ومنه قوله تعالى :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً﴾
[ الفرقان : ٧٢ ] قلت : إن ابن جني قد اعتبر الاشتقاق الأكبر في الكلمة والقول ولم يعتبره ههنا، وهو حاصل فيه، فالأول :" ل غ و " ومنه اللغة ومنه أيضاً الكلام اللغو، والعمل اللغو، والثاني :" ل وغ " ويبحث عنه، والثالث :" غ ل و " ومنه يقال : لفلان غلو في كذا، ومنه الغلوة، والرابع :" غ ول " ومنه قوله تعالى :﴿لاَ فِيهَا غَوْلٌ﴾
[ الصافات : ٤٧ ] والخامس :" و غ ل " ومنه يقال : فلان أوغل في كذا والسادس :" و ل غ " ومنه يقال : ولغ الكلب في الإناء، ويشبه أن يكون القدر المشترك بين الكل هو الإمعان في الشيء والخوض التام فيه.
المسألة الثامنة في اللفظ : وأقول : أظن أن إطلاق اللفظ على هذه الأصوات والحروف على سبيل المجاز، وذلك لأنها إنما تحدث عنه إخراج النفس من داخل الصدر إلى الخارج فالإنسان عند إخراج النفس من داخل الصدر إلى الخارج يحبسه في المحابس المعينة، ثم يزيل ذلك الحبس، فتتولد تلك الحروف في آخر زمان حبس النفس وأول زمان إطلاقه، والحاصل أن اللفظ هو : الرمي، وهذا المعنى حاصل في هذه الأصوات والحروف من وجهين : الأول : أن الإنسان يرمي ذلك النفس من داخل الصدر إلى خارجه ويلفظه، وذلك هو الإخراج، واللفظ سبب لحدوث هذه الكلمات، فأطلق اسم اللفظ على هذه الكلمات لهذا السبب، والثاني : أن تولد الحروف لما كان بسبب لفظ ذلك الهواء من الداخل إلى الخارج صار ذلك شبيهاً بما أن الإنسان يلفظ تلك الحروف ويرميها من الداخل إلى الخارج، والمشابهة إحدى أسباب المجاز.