الفريق الثالث، وهم الذين ينكرون وجود الأرواح السفلية، ولكنهم أثبتوا وجود الأرواح المجردة الفلكية، وزعموا أن تلك الأرواح أرواح عالية قاهرة قوية، وهي مختلفة بجواهرها وماهياتها، فكما أن لكل روح من الأرواح البشرية بدنا معيناً فكذلك لكل روح من الأرواح الفلكية بدن معين، وهو ذلك الفلك المعين، وكما أن الروح البشرية تتعلق أولاً بالقلب ثم بواسطته يتعدى أثر ذلك الروح إلى كل البدن، فكذلك الروح الفلكي يتعلق أولاً بالكواكب ثم بواسطة ذلك التعلق يتعدى أثر ذلك الروح إلى كلية ذلك الفلك وإلى كلية العالم، وكما أنه يتولد في القلب والدماغ أرواح لطيفة وتلك الأرواح تتأدى في الشرايين والأعصاب إلى أجزاء البدن ويصل بهذا الطريق قوة الحياة والحس والحركة إلى كل جزء من أجزاء الأعضاء، فكذلك ينبعث من جرم الكواكب خطوط شعاعية تتصل بجوانب العالم وتتأدى قوة تلك الكواكب بواسطة تلك الخطوط الشعاعية إلى أجزاء هذا العالم وكما أن بواسطة الأرواح الفائضة من القلب والدماغ إلى أجزاء البدن يحصل في كل جزء من أجزاء ذلك البدن قوى مختلفة وهي الغاذية والنامية والمولدة والحساسة فتكون هذه القوى كالنتائج والأولاد لجوهر النفس المدبرة لكلية البدن، فكذلك بواسطة الخطوط الشعاعية المنبثة من الكواكب الواصلة إلى أجزاء هذا العالم تحدث في تلك الأجزاء نفوس مخصوصة مثل نفس زيد ونفس عمرو، وهذه النفوس كالأولاد لتلك النفوس الفلكية، ولما كانت النفوس الفلكية مختلفة في جواهرها وماهياتها، فكذلك النفوس المتولدة من نفس فلك زحل مثلاً طائفة، والنفوس المتولدة من نفس فلك المشتري طائفة أخرى، فتكون النفوس المنتسبة إلى روح زحل متجانسة متشاركة، ويحصل بينها محبة ومودة، وتكون النفوس المنتسبة إلى روح زحل مخالفة بالطبع والماهية للنفوس المنتسبة إلى روح المشتري، وإذا عرفت هذا فنقول : قالوا : إن العلة تكون أقوى من المعلول، فكل طائفة من النفوس


الصفحة التالية
Icon