الثالث : أن بعض أهل اللغة قال : الباء قد تكون للتبعيض، وأنكره بعضهم، لكن رواية الإثبات راجحة فثبت أن الباء تفيد التبعيض، ومقدار ذلك البعض غير مذكور فوجب أن تفيد أي مقدار يسمى بعضاً، فوجب الاكتفاء بمسح أقل جزء من الرأس، وهذا هو قول الشافعي، والإشكال عليه أنه تعالى قال :﴿فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾
[ النساء : ٤٣ ] فوجب أن يكون مسح أقل جزء من أجزاء الوجه واليد كافياً في التيمم، وعند الشافعي لا بدّ فيه من الإتمام، وله أن يجيب فيقول : مقتضى هذا النص الاكتفاء في التيمم بأقل جزء من الأجزاء إلا أن عند الشافعي الزيادة على النص ليست نسخاً فأوجبنا الإتمام لسائر الدلائل، وفي مسح الرأس لم يوجد دليل يدل على وجوب الإتمام فاكتفينا بالقدر المذكور في هذا النص.
المسألة السابعة :
فرع أصحاب أبي حنيفة على باء الإلصاق مسائل : إحداها : قال محمد في " الزيادات " : إذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق بمشيئة الله تعالى لا يقع الطلاق، وهو كقوله : أنت طالق إن شاء الله، ولو قال : لمشيئة الله يقع، لأنه أخرجه مخرج التعليل، وكذلك أنت طالق بإرادة الله لا يقع الطلاق، ولو قال لإرادة الله يقع، أما إذا قال : أنت طالق بعلم الله أو لعلم الله فإنه يقع الطلاق في الوجهين، ولا بدّ من الفرق، وثانيها : قال في كتاب الأَيمان لو قال لامرأته : إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني فأنت طالق، فإنها تحتاج في كل مرة إلى إذنه، ولو قال : إن خرجت إلا أن آذن لك فأذن لها مرة كفى، ولا بدّ من الفرق، وثالثها : لو قال لامرأته : طلقي نفسك ثلاثاً بألف، فطلقت نفسها واحدة وقعت بثلث الألف وذلك أن الباء ههنا تدل على البدلية فيوزع البدل على المبدل، فصار بإزاء من طلقة ثلث الألف، ولو قال : طلقي نفسك ثلاثاً على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء عند أبي حنيفة لأن لفظة " على " كلمة شرط ولم يوجد الشرط وعند صاحبيه تقع واحدة بثلث الألف.


الصفحة التالية
Icon