وقال الشيخ عبد الفتاح القاضى :
باب الاستعاذة
يتعلق بها ثلاثة مباحث:
الأول في حكمها
الثاني في صيغتها
الثالث في كيفيتها
(المبحث الأول) اتفق العلماء على أن الاستعاذة مطلوبة من مريد القراءة. واختلفوا بعد ذلك هل هذا الطلب على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب ؟ فذهب جمهور العلماء وأهل الأداء
إلى الأول، وقالوا إن الاستعاذة مندوبة عند إرادة القراءة. وحملوا الأمر في قوله تعالى: " فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " على الندب. فلو تركها القارئ لا يكون آثما.
وذهب بعض العلماء إلى الثاني، وقالوا: إن الاستعاذة واجبة عند إرادة القراءة وحملوا الأمر في الآية المذكورة على الوجوب. وقال ابن سيرين: - وهو من القائلين بالوجوب - لو أتى الإنسان بها مرة واحدة في حياته كفاه ذلك في إسقاط الواجب عنه، وعلى مذهب هؤلاء لو تركها الإنسان يكون آثما.
(المبحث الثاني) المختار لجميع القراء في صيغتها " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " لأنها الصيغة الواردة في سورة النحل. ولا خلاف بينهم في جواز غير هذه الصيغة من الصيغ الواردة عند أهل الأداء سواء نقصت عن هذه الصيغة نحو أعوذ بالله من الشيطان، أم زادت نحو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، أو إن الله هو السميع العليم، أو أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم إلى غير ذلك من الصيغ الصحيحة الواردة عن أئمة القراءة.
(المبحث الثالث) روي عن نافع أنه كان يخفي الاستعاذة في جميع القرآن. ومثل هذا روي عن حمزة. وروى خلف عن حمزة أيضا أنه كان يجهر بها أول الفاتحة خاصة ويخفيها بعد ذلك في سائر القرآن. وروى خلاد عنه أنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعا لا ينكر على من جهر ولا على من أخفى، لا فرق في ذلك بين الفاتحة وغيرها من سائر القرآن الكريم.