فهذا لدفع شر شياطين الإنس ثم قال :﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم﴾ [فصلت : ٣٦] وقال هاهنا :﴿إنه هو السميع العليم﴾ [فصلت : ٣٦]، فأكد بإن وبضمير الفصل وأتى باللام فى ﴿السميع العليم﴾ [فصلت : ٣٦]. وقال فى الأعراف :﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف : ٢٠٠].
وسر ذلك- والله أعلم- أنه حيث اقتصر على مجرد الاسم ولم يؤكده أريد إثبات مجرد الوصف الكافى في الاستعاذة والإخبار بأنه سبحانه يسمع ويعلم، فيسمع استعاذتك فيجيبك ويعلم ما تستعيذ منه فيدفعه عنك، فالسمع لكلام المستعيذ والعلم بالفعل المستعاذ منه، وبذلك يحصل مقصود الاستعاذة، وهذا المعنى شامل للموضعين،
وامتاز المذكور فى سورة فصلت بمزيد التأكيد والتعريف والتخصيص ؛ لأن سياق ذلك بعد إنكاره سبحانه على الذين شكوا فى سمعه لقولهم وعلمهم به، كما جاء فى الصحيحين من حديث ابن مسعود قال :" اجتمع عند البيت ثلاثة نفر قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فقالوا : أترون الله يسمع ما نقول ؟ فقال أحدهم : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، فقال الآخر : إن سمع بعضه سمع كله، فأنزل الله عز وجل :﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصاَرُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلِكنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مما تَعْمَلُونَ﴾ إلى قوله :﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ [فصلت : ٢٢ - ٢٣ ].
فجاء التوكيد فى قوله :﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت : ٣٦].


الصفحة التالية
Icon