" فصل في التحذير من فتن إبليس ومكايده "
قال ابن الجوزى :
اعلم أن الآدمي لما خلق ركب فيه الهوى والشهوة ليجتلب بذلك ما ينفعه ووضع فيه الغضب ليدفع به ما يؤذيه وأعطى العقل كالمؤدب يأمره بالعدل فيما يجتلب ويجتنب وخلق الشيطان محرضا له على الإسراف في اجتلابه واجتنابه فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عدواته من زمن آدم عليه الصلاة و السلام وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم وقد أمر الله تعالى بالحذر منه فقال سبحانه وتعالى لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وقال تعالى ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وقال إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وقال تعالى إنه عدو مضل مبين وقال إن
الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وقال تعالى ولا يغرنكم بالله الغرور وقال تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدوا مبين وفي القرآن من هذا كثير التحذير من فتن إبليس ومكايده
قال الشيخ أبو الفرج رحمه الله وينبغي أن تعلم أن إبليس شغله التلبيس أول ما التبس عليه الأمر فأعرض عن النص الصريح على السجود فأخذ يفاضل بين الأصول فقال خلقتني من نار وخلقته من طين ثم أردف ذلك بالإعتراض على الملك الحكيم فقال أرأيتك هذا الذي كرمت علي والمعنى أخبرني لما كرمته علي غرر ذلك الإعتراض أن الذي فعلته ليس بحكمة ثم أتبع ذلك بالكبر فقال أنا خير منه ثم امتنع عن السجود فأهان نفسه التي أراد تعظيمها باللعنة والعقاب
فمتى سول للإنسان أمرا فينبغي أن يحذر منه أشد الحذر وليقل له حين