صادرا عن العبد، وإذا كان الأمر كذلك، فقد عاد الجبر المحض، فثبت بهذا البيان أن كل
ما أوردتموه علينا، فهو وارد عليكم.
الوجه الثاني في السؤال : أنكم سلمتم كونه تعالى عالما بجميع المعلومات، ووقوع
الشيء على خلاف علمه يقتضي انقلاب علمه جهلا ؛ وذلك محال ؛ والمفضي إلى المحال
محال، فكان كل ما أوردتموه علينا في القضاء والقدر لازما عليكم لزوما لا جواب عنه.
ثم قال أهل السنة : قوله :" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " - يبطل القول بالاعتزال
من وجوه :
الأول : أن المطلوب من قولك :" أعوذ بالله " إما أن يكون هو أن يمنع الله الشيطان
من عمل الوسوسة منها بالنهي والتحذير ؛ أو على سبيل القهر والجبر.
أما الأول فقد فعله، ولما فعله كان طلبه من الله تعالى محالا ؛ لأن تحصيل الحاصل
محال.
وأما الثاني فهو غير جائز ؛ لأن الإلجاء ينافي كون الشياطين مكلفين، وقد ثبت كونهم
مكلفين.
أجاب عنه المعتزلة قالوا : المطلوب بالاستعاذة فعل الألطاف التي تدعو المكلف إلى
فعل الحسن، وترك القبيح.
لا يقال : فتلك الألطاف قد فعلها الله تعالى بأسرها في الفائدة في الطلب ؛ لأنا نقول :
إن من الألطاف ما لا يحسن فعله إلا عند الدعاء، فلو لم يتقدم هذا الدعاء لم يحسن فعله.
أجاب أهل السنة عن هذا السؤال بوجوه :
أحدها : أن فعل تلك الألطاف إما أن يكون له أثر في ترجيح جانب الفعل على جانب
الترك، أو لا أثر فيه، فإن كان الأول فعند حصول الترجيح يصير الفعل واجب الوقوع :
والدليل عليه أن عند حصول رجحان جانب الوجود لو حصل العدم، فحينئذ يلزم أن
يحصل عند رجحان جانب الوجود رجحان جانب العدم، وهو جمع بين النقيضين ؛ وهو
محال.
فثبت أن عدم حصول الرجحان يحصل الوجوب، وذلك يبطل القول بالاعتزال وإن
لم يحصل بسبب تلك الألطاف رجحان [ طرف ] الوجود ] لم يكن لفعلها ألبتة أثر ؛
فيكون فعلها عبثا محضا ؛ وذلك في حق الله تعالى محال.


الصفحة التالية
Icon