وحاصل الكلام ما قاله الرسول - عليه الصلاة والسلام - أعوذ برضاك من
سخطك... الحديث.

فصل في المستعاذ به


وهو وعلى وجهين :
أحدهما : أن يقال :" أعوذ بالله ".
والثاني :" أن يقال :" أعوذ بكلمات الله التامات ". فأما الاستعاذة بالله، فبيانه إنما يتم
بالبحث عن لفظ " الله " وسيأتي ذلك في تفسير :" بسم الله " وأما الاستعاذة بكلمات الله،
فاعلم أن المراد ب " كلمات الله " هو قوله :( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن
فيكون ( [ النحل : ٤٠ ].
والمراد من قوله :" كن " نفاذ قدرته في الممكنات، وسريان مشيئته في الكائنات ؛
بحيث يمتنع أن يعرض له عائق ومانع، ولا شك أنه لا تحسن الاستعاذة بالله - تعالى - إلا
لكونه موصوفا بتلك القدرة القاهرة، والمشيئة النافذة.
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - فرق بين أن [ يقول ] :" أعوذ بالله " وبين أن
يقول :" بالله أعوذ "، فإن الأول لا يفيد الحصر، والثاني يفيده، فلم ورد الأمر بالأول دون
الثاني، مع أنا بينا أن الثاني أكمل ؟
وأيضا : جاء قوله :" الحمد لله " وجاء أيضا : قوله :" لله الحمد " وأما ها هنا، فقد
جاء قوله :" أعوذ بالله "، وما جاء " بالله أعوذ " فما الفرق ؟.

فصل في المستعيذ


اعلم أن قوله :" أعوذ بالله " أمر منه لعباده أن يقولوا ذلك، وهو غير مختص
بشخص معين، فهو أمر على سبيل العموم، لأنه - تعالى - حتى ذلك عن الأنبياء،
والأولياء، وذلك يدل على أن كل مخلوق يجب أن يكون مستعيذا بالله تعالى ؛ كما حكي
عن نوح - عليه الصلاة والسلام - أنه قال :( أعوذ بك أن أسئلك ما ليس لي به علم ) { هود : ٤٧ ] ؛ فأعطاه [ الله ] خلعتين : السلام والبركات ؛ ) اهبط بسلام منا وبركات عليك ) { هود : ٤٨ ].
وقال يوسف - عليه الصلاة والسلام - :( معاذ الله إنه ربي ( [ يوسف : ٢٣ ]،


الصفحة التالية
Icon