وكان - عليه السلام - يعظم أمر الاستعاذة ؛ حتى أنه لما تزوج امرأة، ودخل بها،
وقالت : أعوذ بالله منك ؛ فقال - عليه الصلاة والسلام :" عذت بمعاذ، فالحقي بأهلك ".
وروى الحسن - رضي الله عنه - قال : بينما رجل يضرب مملوكا له، فجعل المملوك
يقول : أعوذ بالله، إذ جاء نبي الله - عليه الصلاة والسلام - فقال : أعوذ برسول الله ؛ فأمسك
عنه فقال - عليه السلام - :" عائذ الله أحق أن يمسك عنه "، قال : فإني أشهدك يا رسول الله
أنه حر ؛ لوجه الله - تعالى -، فقال عليه السلام :" أما والذي نفسي بيده، لو لم تقلها لدافع
وجهك سفع النار ".
وعن سويد، سمعت أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول على المنبر :
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ؛ وقال سمعت رسول الله ( ﷺ ) وشرّف
وكرّم وبجّل وعظّم وفخّم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلا أحب أن أترك ذلك ما
بقيت ".
وكان عليه الصلاة والسلام يقول :" اللهم، أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ
بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك ".

فصل


في المستعاذ منه ؛ وهو الشيطان.
اعلم أن الشيطان إما أن يكون بالوسوسة أو بغيرها ؛ كما قال تبارك وتعالى :( كما
يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ( [ البقرة : ٢٧٥ ].
فأما كيفية الوسوسة بناء على أن ما روي من الآثار ذكروا : أنه يغوص في باطن
الإنسان، ويضع رأسه على حبة قلبه، ويلقي إليه الوسوسة ؛ واحتجوا بما روي أن النبي
- ( ﷺ ) وشرّف وكرّم وبجّل وعظّم وفخّم - قال :" إن الشيطان ليجري من ابن
آدم مجرى الدم ؛ ألا فضيقوا مجاريه بالجوع " وقال - عليه الصلاة والسلام - :" لولا أن
الشياطين يحومون على قلوب بني آدم، لنظروا إلى ملكوت السموات ".
وقال الغزالي - رحمه الله - في كتاب الإحياء : القلب مثل قبة لها أبواب تنصب
إليها الأحوال من كل باب، ومثل هدف ترمى إليه السهام من كل جانب، ومثل مرأة منصوبة


الصفحة التالية
Icon