نجد في مستهلها تقريرا لحقيقة الربوبية ووحدانيتها، ولحقيقة الإنسانية ووحدة أصلها الذي أنشأها منه ربها، ولحقيقة قيامها على قاعدة الأسرة، واتصالها بوشيجة الرحم، مع استجاشة هذه الروابط كلها في الضمير البشري، واتخاذها ركيزة لتنظيم المجتمع الإسلامي على أساسها، وحماية الضعفاء فيه عن طريق التكافل بين الأسرة الواحدة، ذات الخالق الواحد، وحماية هذا المجتمع من الفاحشة والظلم والفتنة ; وتنظيم الأسرةالمسلمة والمجتمع المسلم، والمجتمع الإنساني كله، على أساس وحدة الربوبية ووحدة البشرية:(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيبا).. وهذه الحقيقة الكبيرة التي تتضمنها آية الافتتاح تمثل قاعدة أصيلة في التصور الإسلامي، تقوم عليها الحياة الجماعية. نرجو أن نعرض لها بالتفصيل في مكانها من سياق السورة.
ونجد التشريعات العملية لتحقيق البناء التكافلي للجماعة مستندة إلى تلك الركيزة:
في حماية اليتامى نجد التوجيه الموحي، والتحذير المخيف، والتشريع المحدد الأصول: (وآتوا اليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ; ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا)[ آية ٢ ].. (وابتلوا اليتامى، حتى إذا بلغو انكاح ; فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ; ولا تأكلوها إسرافا، وبدارا أن يكبروا. ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف. فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم. وكفى بالله حسيبا)[ آية ٦ ].. (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم. فليتقوا الله، وليقولوا قولا سديدا. إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا، وسيصلون سعيرا)[ ٩ - ١٠ ]..


الصفحة التالية
Icon