ومن علامات الإعجاز في هذا القرآن، أن هذه النصوص التي نزلت لتواجه معركة معينة، ما تزال هي بذاتها تصور طبيعة المعركة الدائمة المتجددة بين الجماعة المسلمة في كل مكان، وعلى توالي الأجيال، وبين أعدائها التقليديين ; الذين ما يزالون هم هم، وما تزال حوافزهم هي هي في أصلها، وإن اختلفت أشكالها وظواهرها وأسبابها القريبة، وما تزال أهدافهم هي هي في طبيعتها وإن اختلفت أدواتها ووسائلها، وما تزال زلزلة العقيدة، وزعزعة الصف، والتشكيك في القيادة الربانية، هي الأهداف التي تصوب إليها طلقاتهم الماكرة، للوصول من ورائها إلى الاستيلاء على مقاليد الجماعة المسلمة، والتصرف في مقاديرها، واستغلال أرضها وجهدها وغلاتها وقواها وطاقاتها، كما كانت يهود تستغل الأوس والخزرج في المدينة، قبل أن يعزهم الله ويجمعهم بالإسلام، وبالقيادة المسلمة، وبالمنهج الرباني.
وقد حفلت هذه السورة كما حفلت سورتا البقرة وآل عمران بالحديث عن تلك المؤامرات التي لا تنقطع من اليهود ضد الجماعة المسلمة، بالاتفاق مع المنافقين ومع المشركين. وستجيء هذه النصوص مشروحة عند استعراضها في مكانها في السياق. فنكتفي هنا بإثبات طرف من هذه الحملة العنيفة:


الصفحة التالية
Icon