إنه مجتمع يقوم على العبودية لله وحده ; فهو مجتمع متحرر إذن من كل عبودية للعبيد، في أية صورة من صور العبودية، المتحققة في كل نظام على وجه الأرض، ما عدا النظام الإسلامي ; الذي تتوحد فيه الألوهيةوتتمحض لله ; فلا تخلع خاصية من خواصها على أحد من عباده ; ولا يدين بها الناس لأحد من عبيده.. ومن هذه الحرية تنطلق الفضائل كلها، وتنطلق الأخلاقيات كلها، لأن مرجعها جميعا إلى ابتغاء رضوان الله، ومرتقاها ممتد إلى التحلي بأخلاق الله، وهي مبراة إذن من النفاق والرياء، والتطلع إلى غير وجه الله.. وهذا هو الأصل الكبير في أخلاقية الإسلام، وفي فضائل المجتمع المسلم..
ثم ترد بعض مفردات العنصر الأخلاقي - إلى جانب ذلك الأصل الكبير - في السورة.. فهو مجتمع يقوم على الأمانة. والعدل. وعدم أكل الأموال بالباطل. وعدم النجوى والتآمر إلا في معروف. وعدم الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. والشفاعة الحسنة. والتحية الحسنة. ومنع الفاحشة. وتحريم السفاح والمخادنة. وعدم الاختيال والفخر، والرياء والبخل، والحسد والغل.. كما يقوم على التكافل والتعاون والتناصح والتسامح، والنخوة والنجدة، وطاعة القيادة التي لها وحدها حق الطاعة.. إلخ.
وقد سبق ذكر معظم النصوص التي تشير إلى هذه الأسس.. وسيرد تفصيلها عند استعراضها في موضعها من السياق.. فنكتفي هنا بالإشارة إلى الحادث الفذ، الذي يشير إلى القمة السامقة، التي تتطلع إليها أنظار الإنسانية، وتظل تتطلع، ولا تبلغ إليها أبدا - كما لم تبلغ إليها قط - إلا في ظل هذا المنهج الفريد العجيب:
.. في الوقت الذي كانت يهود تكيد ذلك الكيد الجاهد للإسلام ونبيه، وللصف المسلم وقيادته.. كان القرآن يصنع الأمة المسلمة على عين الله، فيرتفع بتصوراتها وأخلاقها، ونظامها وإجراءاتها إلى القمة السامقة.. وكان يعلج حادثا يتعلق بيهودي فرد، هذا العلاج الذي سنذكره..