لما تقرر أمر الكتاب الجامع الذي هو الطريق، وثبت الأساس الحامل الذي هو التوحيد احتيج إلى الاجتماع على ذلك، فجاءت هذه السورة داعية إلى الاجتماع والتواصل والتعاطف والتراحيم فابتدأت بالنداء العام لكل الناس، وذلك أنه لما كانت أمهات الفضائل - كما تبين في علم الأخلاق - أربعاً : العلم والشجاعة والعدل والعفة، كما يأتي شرح ذلك في سورة لقمان عليه السلام، وكانت آل عمران داعية مع ما ذكر من مقاصدها إلى اثنين منها، وهما العلم والشجاعة - كما أشير إلى ذلك في غير آية ﴿نزل عليك الكتاب بالحق﴾ [ آل عمران : ٣ ]، ﴿وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم﴾ [ آل عمران : ٧ ]، ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم﴾ [ آل عمران : ١٨ ] ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ [ آل عمران : ١٣٩ ] ﴿فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله﴾ [ آل عمران : ١٤٦ ] ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ]، ﴿الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح﴾ [ آل عمران : ١٧٢ ]، ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا﴾ [ آل عمران : ٢٠٠ ]، وكانت قصة أحد قد أسفرت عن أيتام استشهد مورثوهم في حب الله، وكان من أمرهم في الجاهلية منع أمثالهم من الإرث جوراً عن سواء السبيل وضلالاً عن أقوم الدليل ؛ جاءت هذه السورة داعية إلى الفضيلتين الباقيتين، وهما العفة والعدل مع تأكيد الخصلتين الأخريين حسبما تدعو إليه المناسبة، وذلك مثمر للتواصل بالإحسان والتعاطف بإصلاح الشأن للاجتماع على طاعة الديان، فمقصودها الأعظم الاجتماع على الدين بالاقتداء بالكتاب المبين، وما أحسن ابتداءها بعموم :﴿يا أيها الناس﴾ بعد اختتام تلك بخصوص " يا أيها الذين