﴿ الذى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة ﴾ لأن الاستعمال جار على أن الوصف الذي علق به الحكم علة موجبة له، أو باعثة عليه داعية إليه، ولا يخفى أن ما هنا كذلك لأن ما ذكر يدل على القدرة العظيمة أو النعمة الجسيمة، ولا شك أن الأول : يوجب التقوى مطلقاً حذراً عن العقاب العظيم، وأن الثاني : يدعو إليها وفاءاً بالشكر الواجب ؛ وإيجاب الخلق من أصل واحد للاتقاء على الاحتمال الثاني ظاهر جداً، وفي الوصف المذكور تنبيه على أن المخاطبين عالمون بما ذكر مما يستدعي التحلي بالتقوى، وفيه كمال توبيخ لمن يفوته ذلك، والمراد من النفس الواحدة آدم عليه السلام، والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين ومن وافقهم أنه ليس سوى آدم واحد وهو أبو البشر وذكر صاحب "جامع الأخبار" من الإمامية في الفصل الخامس عشر خبراً طويلاً نقل فيه أن الله تعالى خلق قبل أبينا آدم ثلاثين آدم، بين كل آدم وآدم ألف سنة، وأن الدنيا بقيت خراباً بعدهم خمسين ألف سنة، ثم عمرت خمسين ألف سنة، ثم خلق أبونا آدم عليه السلام، وروى ابن بابويه في كتاب "التوحيد" عن الصادق في حديث طويل أيضاً أنه قال : لعلك ترى أن الله تعالى لم يخلق بشراً غيركم بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين، وقال الميثم في "شرحه الكبير على النهج" ونقل عن محمد بن علي الباقر أنه قال : قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر، وذكر الشيخ الأكبر قدس سره في "فتوحاته" ما يقتضي بظاهره أن قبل آدم بأربعين ألف سنة آدم غيره، وفي كتاب "الخصائص" ما يكاد يفهم منه التعدد أيضاً الآن حيث روى فيه عن الصادق أنه قال : إن لله تعالى اثني عشر ألف عالم كل عالم منهم أكبر من سبع سموات وسبع أرضين ما يرى عالم منهم أن لله عز وجل عالماً غيرهم، وأنى للحجة عليهم، ولعل