قام من بين هذا الجيل فيلسوفان : ألماني وإنكليزي، وأخذا يعلمان بكتاباتهما المبينة على البراهين وجوب إصلاح الإِنسَاْن لنسل الإِنسَاْن، ويعددان فوائد الإصلاح لنوعه، ويبيّنان للملأ أن الرقي المطلوب لا يتم إلا به، وطفقا يلومان الناس على اعتنائهم بإصلاح المواشي وإهمالهم إصلاح أنفسهم، الأمر الذي هو أهم من ذلك كثيراً، وذكرا لذلك طرقاً :
( منها ) منع أصحاب العاهات والأمراض المزمنة وأولي الجرائم الكبيرة من الزواج لينقطع نسلهم الذي يجيء غالباً على شاكلتهم.
( ومنها ) إباحة تعدد الزوجات للنابغين من الرجال ليكثر نسلهم، وقالا : إذا جرى المجتمع على هذا الانتخاب الصناعي قروناً عديدة كان نسل الإِنسَاْن الأخير، بحكم ناموس الوراثة، سالماً من الأمراض، حسن الطوية، ليس فيه ميل إلى الشر، قوياً، ذكي الفؤاد، نابغاً في العلوم، التي يتعلمها، كأنه نوع أرقى من الإِنسَاْن الحاضر، وكانت أهم طريقة أبدياها للارتقاء المنتظر للبشر في المستقبل، هي طريقة تعدد الزوجات في الحاضر للنابغين من الناس، فإن منع أصحاب الأمراض المزمنة والجناة من الزواج إنما يفيد في تقوية النسل وجعله ميالاً بالفطرة إلى الخير ليس إلا، لا في جعله أذكى من آبائه وأسمى مدارك، وتعدد الزوجات للنابغين من المسلمين، قد جاء به الإسلام قبل هذين الفيلسوفين بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة، فقد أباح لهم تعددهن إلى أربع، ليكثر نسلهم، فيكثر عدد النابغين، الذين بهم وحدهم تتم الأعمال الكبيرة في هذه الدنيا، فهو من مكتشفات هذا الدين الاجتماعية.
وقد جعل رضاهن بذلك شرطاً أنه لئلا يكون فيه إجحاف بحقوقهن.
والعاقلة من النساء تفضل أن تكون زوجة لنابغة من الرجال - وإن كان ذا زوجات أخر - على أن تكون زوجة لرجل أحمق، وإن اقتصر عليها، لأنها تعلم أن أولادها من الأول ينجبون أكثر منهم من الثاني.


الصفحة التالية
Icon