وقد تقدم أن الخطاب في قوله تعالى :﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مّنَ النّسَاء ﴾ في الآية الأولى لعموم الأمة، غير أن الشرط بالعدل جعله خاصة بالعادلين منهم، وهم النابغون الذين يقتدرون على إتيان العدل بين النساء لوفور عقلهم.
والغاية من أمر هذا الصنف من المسلمين أن يتزوجوا بأكثر من واحدة إلى أربع، هو تكثير نسلهم ليستفيد من كثرة أمثالهم المجتمع، كما أسلفنا، ولكن النابغة لا يأتي نسله في الغالب نوابغ، بمجرد تعدد الزوجات، فإن الزوجة المتوسطة أو المنحطة يكون أولادها في الغالب أوساطاً أو منحطين، وإن كان أبوهم راقياً، فلا تحصل الفائدة المطلوبة من تعدد الزوجات وهي إصلاح النسل.
بل يجب للحصول على هذا المطلب الأسنى أن يقترن النابغون بالنابغات، ليكون أولادهم مثلهم نبوغاً أو أنبغ منهم، بحكم سنة الوراثة، وذلك إنما يتم إذا أحسن النابغون اختيار الأزواج، فنكحوا ما طاب لهم، والنابغة لا يطيب له أن يقترن إلا بمن جمعت نبوغاً مثل نبوغه، إلى حسن رائع، فإن معاشرة الحمقاء ليس مما يطيب للعاقل الراقي، وإن الخير يطلب عند حسان الوجوه.
ولذلك قال تعالى :﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مّنَ النّسَاء ﴾ ولم يقل وانكحوا من النساء، وفي قوله تعالى :﴿ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ إشارة إلى مراتب نبوغ الرجل، الثلاث، فكأنه أراد أن لا يتجاوز، الذي قلّ نبوغه، الاقتران باثنتين، وأن لا يتجاوز، الذي نبوغه متوسط، الاقتران بثلاث، وأن يحل، للذي نبوغه أعلى من الأولين، الاقترانُ بأربع.


الصفحة التالية
Icon