أجاب الشافعي رضي الله عنه بأن قال : ليس المراد بقوله :﴿وابتلوا اليتامى﴾ الإذن لهم في التصرف حال الصغر بدليل قوله تعالى بعد ذلك :﴿وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ﴾ فإنما أمر بدفع المال إليهم بعد البلوغ وإيناس الرشد، وإذا ثبت بموجب هذه الآية أنه لا يجوز دفع المال إليه حال الصغر، وجب أن لا يجوز تصرفه حال الصغر، لأنه لا قائل بالفرق، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على قول الشافعي، وأما الذي احتجوا به، فجوابه : أن المراد من الابتلاء اختبار عقله واستبراء حاله، في أنه هل له فهم وعقل وقدرة في معرفة المصالح والمفاسد، وذلك إذا باع الولي واشترى بحضور الصبي، ثم يستكشف من الصبي أحوال ذلك البيع والشراء وما فيهما من المصالح والمفاسد ولا شك أن بهذا القدر يحصل الاختبار والابتلاء، وأيضا : هب أنا سلمنا أنه يدفع إليه شيئا ليبيع أو يشتري، فلم قلت إن هذا القدر يدل على صحة ذلك البيع والشراء، بل إذا باع واشترى وحصل به اختبار عقله، فالولي بعد ذلك يتمم البيع وذلك الشراء، وهذا محتمل والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٥٣﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
والابتلاء هنا : هو اختبار تصرّف اليتيم في المال باتّفاق العلماء، قال المالكية : يدفع لليتيم شيء من المال يمكنه التصرّف فيه من غير إجحاف، ويردّ النظر إليه في نفقة الدار شهراً كاملاً، وإن كانت بنتاً يفوّض إليها ما يفوّض لربّة المنزل، وضبط أموره، ومعرفة الجيّد من الرديء، ونحو ذلك، بحسب أحوال الأزمان والبيوت.
وزاد بعض العلماء الاختبار في الدين، قاله الحسن، وقتادة، والشافعي.
وينبغي أن يكون ذلك غير شرط إذ مقصد الشريعة هنا حفظ المال، وليس هذا الحكم من آثار كليّة حفظ الدين.


الصفحة التالية