ولهذا قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً ﴾.
وقالت طائفة : المراد جميع الناس، أمرهم باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس ؛ وإن لم يكونوا في حجورهم.
وأن يُسدّدوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يُفعَل بولده بعده.
ومِن هذا ما حكاه الشيبانيّ قال : كنا على قُسْطَنْطِينِيّة في عسكر مَسْلمة بن عبد الملك، فجلسنا يوماً في جماعة من أهل العلم فيهم ابن الدَّيْلَمِيّ، فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان.
فقلت له : يا أبا بِشر، وُدّي ألاّ يكون لي ولد.
فقال لي : ما عليك ا ما من نَسَمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت، أحَبّ أو كَرِه، ولكن إذا أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم ؛ ثم تلا الآية.
وفي رواية : ألاَ أدلّك على أمر إن أنت أدركته نجّاك الله منه، وإن تركت ولداً من بعدك حفظهم الله فيك ؟ فقلت : بلى فتلا هذه الآية ﴿ وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ ﴾ إلى آخرها.
قلت : ومن هذا المعنى ما روى محمد بن كعب القُرَظيّ عن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ قال :" من أحسن الصدقةَ جاز على الصراط ومن قضى حاجة أرْمَلة أخلف الله في ترِكَته " وقول ثالث قاله جمع من المفسرين : هذا في الرجل يحضره الموت فيقول له مَن بحضرته عند وصيته : إن الله سيرزق ولدك فانظر لنفسك، وأوص بمالك في سبيل الله، وتصدّق وأعتق.
حتى يأتي على عامّة ماله أو يستغرقه فيضر ذلك بورثته ؛ فنُهوا عن ذلك.
فكأن الآية تقول لهم : كما تخشون على ورثتكم وذرّيتكم بعدكم، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله ؛ قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد.


الصفحة التالية
Icon