وكذلك معنى قوله :"يعملون السوء بجهالة"، قيل فيهم :"يعملون السوء بجهالة" وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله، عامدين إتيانه، مع معرفتهم بأنه عليهم حرام لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جَهِل عظيمَ عقاب الله عليه أهلَه في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالم :"أتاه بجهالة"، بمعنى أنه فعل فعل الجهَّال به، لا أنه كان جاهلا.
وقد زعم بعض أهل العربية أن معناه : أنهم جهلوا كُنْه ما فيه من العقاب، فلم يعلموه كعلم العالم، وإن علموه ذنبًا، فلذلك قيل :"يعملون السوء بجهالة".
قال أبو جعفر : ولو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول، لوجب أن لا تكون توبة لمن علم كُنْه ما فيه. وذلك أنه جل ثناؤه قال :"إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" دون غيرهم. فالواجب على صاحب هذا القول أن لا يكون للعالم الذي عمل سوءًا على علم منه بكنه ما فيه، ثم تاب من قريب توبة، وذلك خلاف الثابت عن رسول الله ﷺ : من أن كل تائب عسى الله أن يتوب عليه وقوله :"باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس من مغربها" وخلاف قول الله عز وجل :( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) [سورة الفرقان : ٧٠]. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٨ صـ ٩١ ـ ٩٣﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
﴿ إنَّما ﴾ للحصر.
و﴿ على ﴾ هنا حرف للاستعلاء المجازي بمعنى التعهّد والتحقّق كقولك : عليّ لك كذا فهي تفيد تحقّق التعهّد.
والمعنى : التوبة تحقّ على الله، وهذا مجاز في تأكيد الوعد بقبولها حتّى جعلت كالحقّ على الله، ولا شيء بواجب على الله إلا وجوب وعده بفضله.
قال ابن عطية : إخباره تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يَقتضي وجوب تلك الأشياء سمعا وليس وُجوبا.